الاثنين، 2 ديسمبر 2013

الطابق الرابع.. الغرفة رقم أربعة



أخبرونيّ،هاتفياً أن ماما زمزم بالمشفى من يومين. هم هكذا دائماً.يتعمّدون إخفاء أيّ خبر ثقيل عليَّ إلى اللحظة الأخيّرة. ماما عودّتهم على ذلك.تقول لهم: هو مشغول ولا شيء يستحق كي نحمّله إياه فوق طاقته.ما زلت في عقلها ذلك الصبيّ المحتاج بشكل دائم لحارس ومترجم شخصي.

قد فعلتها زمزم معيّ فيّ مرّة سابقة. عندما سقط أخي محمّد في المرض القاسيّ.هاتفوني إلى المدينة التي صرت مقيماً فيها وطلبوا عودتيّ. لكنيّ وصلت اليمن وكان محمّد قد انتهى وأكله المرض. 

كنت انتبهت لغياب زمزم عن البيت ليومين، لكنّ قلت: هيّ في البيت الثاني. كعادتها عندما تغيب. لم أكنّ أعلم أنها تقيم في المشفى.
وعلمت نجاة بمرض ماما قبليّ. نجاة شقيقتي التي تقيم في أديس أبابا مع زوجها وتحمل جنسيته. اتصلت من هناك،كعادتها نهار كل يوم جمعة فعرفت بالأمر. لم تستغرق 12 ساعة كي تكون في مطار صنعاء ومنه إلى المشفى مباشرة. حتّى أنها لم تمر على البيت فوصلت إلى الغرفة التي تنام فيها ماما زمزم قبلي.
ونجاة تصغرني بثلاثة أعوام. نحن هكذا في العائلة.بين كل واحد منّا ثلاثة أعوام في الولادة. علي ،منصور،نور،محمّد،جمال،نجاة وفيروز. بالترتيب تنازلياً. وعليه، عندما مات محمّد كان انفجار منطقة الوسط في كيان العائلة.
لم أكنّ شاهدت نجاة منذ عام ونصف. عندما تأتي لزيارتنا أكون في سفر. وعندما أقيم في صنعاء تكون هيّ في أديس أبابا. لكنيّ سأذهب إلى المشفى وسأراها مجدداً في الغرفة التي تقيم فيها ماما زمزم.
وذهبت. أخبرت حارس المبنى بأنيّ شقيق فيروز الأكبر. وفيروز تعمل مشرفة معروفة على قسم النساء بمستشفى الثورة ويحبّها الجميع لطيبة قلبها. فكان دخولي سهلاً.وأخبرنيّ الحارس أن ماما تقيم في الغرفة رقم أربعة في الطابق الرابع. كأن حرباً أهلية اجتاحت قلبيّ وقتها. لم أعرف كم استغرقت مسافة صعودي إلى الطابق الرابع من وقت إلى حين دخولي إلى الغرفة رقم أربعة!،
ودخلت.
والتقينا،نجاة وأنا ونزلت تلك الدموع الكثيرة التي تفعلها أعيننا عادة عند كل لقاء جديد أو فراق آخر. نحن العائلة العاطفية والمنكوبة بفقدان قلبها الحبيب محمّد.
أخيراً صرنا معاً. ماما زمزم ونجاة وفيروز وأنا. جميعنا في الطابق الرابع والغرفة رقم أربعة. هي الغرفة نفسها التي مات فيها محمّد،في فجر يوم الثامن من أغسطس 2012.