الجمعة، 20 ديسمبر 2013

في غرام اسم : محمد



       من يوم رحل أخي محمّد وأنا واقع في غرام اسمه. عندما يرحل الذين نحبهم يتركونا لوحدنا معلقين بالتفاصيل التي تركوها لنا. لكنّ محمّد لم يترك لي شيئاً سوى أولاده الأربعة،الذين صاروا أولاديّ من بعده، كما ترك لي اسمه. دخل القبر وترك لي اسمه:محمّد.

      وعليه صرتُ في حالة غرام معتقة مع هذا الاسم.أحبُّ سماعه في كل وقت كأنما أغنية وديعة ارتبطت بذاكرتي.محمّد، التقط صوت الاسم من كل حدب وصوب. وأنا راكب في تاكسي وأسمع أحدهم وهو يعبر الشارع منادياً رفيقه المدعو محمّد. أنصت للسائق متحدّثاً على هاتفه المحمول مع شقيقه المفترض أو صهره أو ابن عمّه واسمه،للمصادفة:محمّد.كأنما صرت أغبط وأغار من الناس الذين لهم أشقّاء اسمهم محمّد وما زالوا معهم على قيد الحياة. تربكني حالة التقائي وتقاطعي حالة نداء أحدهم لأخيه الذي اسمه محمّد قائلاً له متمنياً: "لا تتأخر مساءً على البيت،سنتناول الشعاء معاً يا محمّد".
وحدي أنا صرتُ أتناول عشائي بدون شقيق اسمه محمّد.
وتصل نبرة الاسم إلى قلبي مثل لحن.محمّد. تثلج نار الحنين والشوق المزدحمة بداخله. هو جوع لاسم محمّد ولرائحة محمّد ولصوت ضحكة محمّد. وأقوم بترديده من دون ارتباك أو انتظار مناسبة لقوله.

       وتضاعفت حالة صداقتي مع رفاقي القدامى والحاليين الذين يحملون اسم محمّد.أصبحت أكثر قرباً منهم كي أستغل أيّ فرصة لأقوم بإطلاق اسم محمّد من فمي وأنا أحادثهم. استغل أيّ فرصة،بمناسبة وبدونها كي أقول:محمّد.أقوم بحكاية أي شيء أو اختراعه من رأسي بغية إعادة اسم محمّد على لساني. وأقوله بنبرة مختلفة في كل مرّة حريصاً على تنويع نغماته ومقاماته.

       أقول لصديقي (الذي اسمه محمّد) مستعيداً واقعة كنّا قد حكينا عنها من قبل ،فقط كي استثمرها لنطق اسم محمّد محشوراً بعنوة بين تفاصيلها.أقول،بنبرة منتفخة وبقلب مبتهج: "يا محمّد معك حق في موقفك الذي فعلت...". أقولها لصديقي محمّد غير مكترث للسياق التي أتت فيه ولا إلى سلامة معناها. أو أيّ حكاية أخرى. مايهمّ هنا هو تكرار اسم محمّد.

         وعلى طول الطريق الذي نسير عليه كل ليلة،صديقيّ محمّد وأنا، أقوم بترديد اسمّ محمّد على طول الخط قرابة ألف مرّة. ربما لم يلاحظ صديقي محمّد أنيّ أصبحت أميل لاستخدام نطق الاسماء في أحاديثي على غير عادتي. كان موضوع كلامنا المشترك يوضح بنفسه هوية الاسماء التي أتحدّث عنها فلا أكون مضطراً لنداء أو تكرار اسم بعينه.أقول عبارتي ويكون السياق واضحاً ويُظهر هويّة الشخص الذي أتحدّث عنه. لكنّ عادتي تلك تغيّرت، كل عاداتي تغيّرت بعد وفاة محمّد.
حتّى المطرب المصري محمّد منير الذي كنت طوال حياتي أنطق اسمه مكتفياً ب: منير. عُدت لنطق اسمه كاملاً :محمّد منير. كأنما انتبهت أخيراً لهذا الاسم الكامل وأنه يحمل اسم محمّد معه. هل كنتُ بحاجة لوفاة أخيّ محمّد كي أنتبه لذلك الاسم كاملاً وأنه يحمل اسم محمّد!

       وفي كل مساء، قبل نوميّ الصعب أستعين بترديد اسم محمّد بينيّ وبينيّ كي أقدر على الاختفاء قليلاً من حياة ليس فيها محمّد.

       صار اسمه مفتاح عبور لنومي.
هذا الاسم الذي صرتُ في حالة غرام معه.

"تصبح على خير يا حبيب قلبي يا محمّد". أقولها في نهاية كل يوم،دافئة وحنونة تليق بشقيقين لن يلتقيا، بعد اليوم أبداً.

      محمّد يقيم الآن في الجنّة. وأنا سأذهب إلى النار.