الاثنين، 26 يناير 2015

كائنات للبيع ..



    وهذا فيلم من تلك الأعمال التي ينبغي لها أكثر من مشاهدة لتتغيّر زاوية رؤيتك لها من منطقة أخرى في كل مرّة. كنتُ مررت عليه في كتابة سابقة لكنّ وجدتها يوميّة لا تستحق فحذفتها. اليومي عابر ويبقى ذلك الدائم من كل شيء. 
نال هذا العمل جائزة أفضل إخراج في مهرجان كان السينمائي الفائت في حين يدخل بعد أيّام قليلة غِمار مسابقة الأوسكار للمنافسة على كومة جوائز من بينها: أفضل إخراج وأفضل ممثل دور رئيسي وأفضل ممثل دور مساعد وأفضل سيناريو أصلي.
مخرج الفيلم هو بينيت ميللر الذي كان قد حصل فيلمه (ترومان كابوتي) على جائزة أفضل ممثل ذهبت للنجم العظيم الراحل فيلليب هوفمان في أوسكار العام 2006 . يعيد ميللر إعادة لرواية قصة حقيقية لمصارعين في المنتخب الامريكي هما مارك ووايف شولتز،كانا قد تألقا في أولمبياد المصارعة في دورة لوس أنجلوس العام وحاز أحدهما ميدالية ذهبية.
تسير الأحداث ليقعا بين يديّ مليادرير مهووس وواقع تحت قوة والدته العجوز. نظرتها الاحتقارية لكل مايقوم بفعله تنعكس لتظهر في طريقة تعامله مع الأخرين؛ الكائنات الأضعف والأكثر حاجة للمال.يخترع مؤسسة رياضية ويقوم برعاية المصارعين لدخول منافسة أولمبياد موسكو التالية. لكنّه يقوم بإهانتهم، البطل الأول على وجه التحديد. المال الكثير الذي يملكه يعطيه الحق إلى درجة .. القتل. كيف يقوم المال والثروة هنا بالتحوّل إلى سلطة وماكينة جرف وأدآة لتسيير حياة الآخرين، النهش في ذواتهم وإعاقتها. تحويلهم إلى كائنات لا تصير تعرف ذواتها عندما ترى لنفسها في المرآة. وفي السياق نعرف كيف يتم استغلال حاجة الناس إلى المال والثمن الفادح الذي سيدفعونه لاحقاً لقرارات الإذعان التي سوف يُرغمون على فعلها.
الفيلم رائع ومؤلم وجارح. يدفع الواحد لوضع يده على قلبه وألمه الخاص مع كل مشهد يعبر على الشاشة خلال زمنه الطويل وبمشاهد الضربات المتتالية على حلبة المصارعة التي سوف نشاهدها كثيراً، بصمت وبكلام قليل ينتهي برصاصات تستقر في قلب وجسد أحد البطلين. 
وكالعادة، تحضر اليمن في رأسي مع كل فيلم يأتي مطابقاً لما يحدث فيها. أراني متورطاً في فعل مقارنة إجبارية مع كومة الوساخات التي تحدث في هذه البلاد الحزينة والموجوعة. وجدتني هنا أرى المنطقة الإعلاميّة وما حدث ويحدث عليها فلقيتها مطابقة لما حدث في الفيلم وإن في سياق مختلف: شراء الناس العاملين في الصحافة وإدخالهم الحظيرة ودائرة الطاعة. رؤوس أموال جاهلة وساقطة لكنّها قادرة على رميّ المال الكثير وتحويله إلى أفخاخ في طريق صحافيين شباب كان بإمكانهم البقاء والصمود مثل أقلام محترمة ونافعة لكنّ الفقر كافر وللمال سلطته الوسخة. وعلى هذا تحولوا إلى كائنات ممسوخة تحمل أقلاماً لاتملك قيادة نفسها وكلماتها. مجرد أدوات لتنفيذ مايدور من أفكار لئيمة في ذهن الشيخ أو السيّد صاحب المال. مجرد أقلام في أصابع ولاة أمرهم. كائنات فقدت نسبة الرصيد المعنويّ الرمزي التي كانت تملكها عند الناس وذهب أصحابها للبحث عن رأس المال الماديّ وتوابعه. لم ينتبهوا، أو انهم انتبهوا ولم يهتمّوا لتحولهم إلى أقلام مرتزقة قادرة على النهش في كل شيء وأيّ شيء وأيّ كائن وقيمة، وبلد من المفترض أنهم ينتمون إليه.
ودائماً سؤال:
كيف ينظر هؤلاء إلى وجوه أطفالهم عندما يذهبون إلى النوم!