الاثنين، 21 سبتمبر 2009

حكاية أصابع

 
رأس بلا عنق أو يكاد.يبدو السلسال الذهبي من الكبر لدرجة أنه حجب العنق ولو جزئيا.وبشكل أكثر دقة هو مايبدو من الصورة أنه الجزء الأسفل من رأس ذكر،الشعر النابت على ذقنه يقول بهذا،كما والشعر الظاهر على صدره.كلها إشارات إلى أنه رأس وجسم ذكر.لكن ماذا عن الأصابع التي في الصورة؟

لاشيء يقول بهويتها.إن كانت أصابع ذكر أم أنثى.لكن يبدو عليها الشغف وتود لو استقرت للأبد على ذلك الصدر.لايليق هذا الشغف بغير الأنثى.البقاء لأطول وقت ممكن على هذه الوضعية التي تسمح لها اللعب بذلك الشعر النابت بكثرة.كما لايمكن أن تكون أصابع لذكر ،على اعتبار أن الشغف الظاهر يقول بعكس هذا ،كما لم نقع بعد على حالة مثلية لنعرف حجم الشغف فيها.وعليه سنبني كلامنا.أصابع أنثوية تنام بهدوء بال على صدر ذكر.


هي الأصابع إذن وتنام على راحتها.أصابع وتبدو أطرافها العلوية.مايقول بجسد ممد على جسد وملتصق به.لكن لاندري بالوضع القائم نظرا لثبات اللقطة.ينبغي علينا قراءة شغف الأصابع وتأهبها لمعرفة أنها تود صعودها وبالتالي الجسد التابع لها.تضغط الأصابع على الصدر ليكون صعودها وتاليا هبوطها.مع ثبات المركز على نقطة واحدة.كل كل مايحدث هو لخدمة هذه النقطة ،من الطرفين.كل واحد يرى لنقطة الأخر كجنة وبيت.

للوهلة الأولى تبدو الصورة سهلة التفسير والقراءة .لكن الحكاية أكبر من هذا الهدر كله.

الأحد، 20 سبتمبر 2009

تذهب ولا يراك أحد


وتتمنى وصولك سريعاً نحو نقطة واقعة على آخر سطر، كتابة.. أو حياة، إذ صرت كائناً يهوى النهايات السريعة والتي بلا ألم تكون.
هذا شرط وصولها ووصولك. سطرك لو ينتهي الآن وكتابة منجزة كطيف.. وحياة لو أنها تذهب في حال سبيلها، لا مهزومة ولا مغدورة كما ومكذوب عليها، وتمضي مازلت، على الرغم من الكلام الذي يجرح الروح تماماً، الكلام الذي كان فجأة اكتشافه، الكلام الذابح كحرب أهلية، كمجزرة أجهزت على حديقة ورود وكانت، الى ما قبل قليل نابضة وترقص.

قبل هذا وفي حالة الموسيقى غير الصاخبة والتي بلا كلام يأتيك ما يشبه الصباح. البياض الذي بلاحرب أهلية ولا ما يغطي الاشياء ويخفي تحتها الألم، ذاته ما يذهب بروحك طالبة وصولها والنهاية التي بلا كلام تكون. مناخ مناسب يعمل دخولك في نقطة أخيرة وبصمت، بلا كثافة حمراء تكرهها تسكن تحت القلب، تحبه مفتوحاً وبلا شفرة وماكياج مبالغ وضاج في طريقة صنعه.

وتذكر كل الصباحات الآن. مناسبة جيدة وملونة لان تقول بأنك قد رقصت وأنت في تسللك نحوها. ذاتها القضبان الصلبة والعنيدة ماتزال على حالها كما والعسس، القضبان المتوازية عمودياً وكانت ناقصة قضيباً، مدخلك وبداية الطريق نحو الجنة والبراح الرائح في نزاهته او ما كنت تظن انه لن يحيلك يوماً الى مجرد كائن يخاف الليل، المتأخر، في لحظاته المنتهية.

فرصة سانحة لوصول ولاكتمال الصعود والتنزه تحت شرفة بلا ستائر ولا يراك عليها أحد.

هي نقطة فقط وينتهي، ربما سطرك، الكتابة التي لا تقول شيئاً ولن تقول.. الحياة البلا كلام، مجرد موسيقى تصويرية فقط، موسيقى جنائزية تماماً معمولة على نوتة أنجزت بشكل يليق بوصولك حتى نهاية السطر، والكتابة الحياة..

كأنه هوس يفيض ويقع تماماً على ما تريد، تهوى النهايات الباردة والتي بلا ألم تكون، لا تلك المغدورة والمكذوب عليها.

وعليه تذكر أوسكار في «طبل الصفيح».. أوسكار القزم، المعتوه ظاهرياً والناضج نضوج الراشدين، الذي أوقف نموه في عيد ميلاده الثالث، حتى لا يكون تاجراً مثل أبيه ولا سياسياً مثل هتلر، ولكي يكون شاهداً وحراً طليقاً.. هذا في المقدمة فقط لـ«طبل الصفيح» التي لم تدخل فيها بعد، أوسكار إذن مقدمة تليق بنهاية، وذاتها ما تبحث عنه كما ولو بواسطة أنف مدربة جيداً.

أكتب هذا وقد رحلت أنت، كتابة متأخرة نعم، لكنها تليق بما كان في ليلك المتأخر ايضاً، أو لياليك التي كنت تذهب اليها غير منتبه لشيء او لأحد.

ذهبت أنت وما زلت أنا هنا أتقدم غير ملتفت لما كان. بينك وبيني شرفة بلا ستائر.. ولا يرانا أحد..

موت بأعينٍ مفتوحةٍ


فتحـــــي أبـــــو النصـــــر

إلى علي دهيس وجمال جبران




يولد الليلُ من حنينا،

البعيد.

يخرجُ من تحت أظافرنا.

يرضعُ من ضحكات الكؤوس.

ينبتُ له ضرسُ في المحبة.

يحبو على سجادة الشجن والامنيات.

يمشي راسخاً صمتنا بشهية،

خطواته إلى صوت «نجاة الصغيرة»،

مغنية «عيون القلب».

يكبر وتضيق حياتنا.
.
.
.

.

.......،..........

ثمة امرأة تغرق في دمه،

وديكة سوداء تصب قصائدها

على عين الفجر.

.

.

.......،..........

يموت الليل..

وبأعين مفتوحة يكتمل، نقاء الروح في الخسارات.

كنت مخدوعاً عظيماً!



«سأكون ميتاً عظيماً». قالها شاعر غربي قبيل انتحاره. قالها وهو على يقين تام من أنه سيكون «ميتاً عظيماً». هو يعلم أنه ماض ولا بد في هذا الطريق.

وبلا ذرة شك واحدة. في طرف آخر، وفي عبارة أخرى. «سأكون مخدوعاً عظيماً». لايقولها أحد. إذ لا يعلم ولا يدري.لا يعرف المرء شيئاً عن ما يحاك وراء ظهره. لا يرى قنبلة موقوته وضعت له بعناية في طريق ما يسير عليه بانتظام. «سأكون مخدوعاً عظيماً» لا تصح هذي العبارة ولا تستقيم على لسان أحدهم. هو يسير مغمض القلب ويأكل الظلام. لا يدري شيئاً عن حفرة بعمق عشرة أمتار تحت قدميه و لا يراها. هو مشغول بالحب. يعتقد أن ظهره، من هذي الناحية، محمي بشكل جيد.

في فليم «ملك وكتابة» انتاج (2006) كان «محمود حميدة» مطمئناً في حياته وحبه. يروح إلى شغله تاركاً زوجته «عايدة رياض» واثقاً من عيشها في الحب/ حبه ولا شك ملقى على هذي الناحية، وكان عيشهما طويلاً هادئاً، ومضبوطاً على تكة عقارب الساعة
.


لكن ما الذي يحدث لو اضطربت العقارب عاملة على إصابتها في تقديم أو تأخير؟! ما الذي يحدث لو خرج «محمود حميدة» إلى شغله وهو الكائن المضبوط، لو خرج واصلاً مكان عمله ليجد ان لخبطة ما حدثت في مواعيد محاضراته ولم يتم إبلاغه بها. هو يذهب إلى محاضرته من القاهرة، حيث يسكن، إلى الاسكندرية وفي يوم وحيد محدد. سيفعل احتجاجاً بسيطاً على عدم إبلاغه وسيعود إلى بيته. ستكون مبكرة عن ميعادها الاعتيادي بمقدار زمني مواز لزمن اشتغاله في المحاضرة المقررة عليه، بمعنى: هو كان يعود في الرابعة ظهراً بعد ست ساعات يقضيها ما بين سفره واشتغاله وبالغاء محاضراته يكون عليه لزوماً عودته إلى بيته قبل خمس ساعات من ميعاده الاعتيادي. لنفترض أنه قضى ساعة واحدة في احتجاجه على تلك اللخبطة التي حدثت ولا تعلم زوجته بها. وهي لو تعلم بهذا مسبقاً كان عليها لزوماً تغيير ما تفعله عادة في ذلك اليوم. وتحديداً في ست ساعات هي مدة غياب زوجها. لو كانت تعلم لكانت قامت بتوفير الكثير على زوجها. مثلاً: كانت لن تجبره على قول: «كنت مخدوعاً عظيماً». وأقول «كنت»، لا «سأكون». أسلفت أن «سأكون مخدوعاً عظيماً» لا يمكن أن تستقيم أبداً. لا يمكن أن تكون بغير صيغة الماضي «كنت».

مجرد لخبطة في جدول محاضرات كفيلة بتأكيد هذه الـ«كنت». كما تقديم ست ساعات أيضاً.


يعود «محمود حميدة» إلى بيته إذن، ليجد أمام عينيه ما يدفع إلى تحقيق «كنت مخدوعاً عظيماً». كائنان على فراغ الماء وقد تحولا إلى كائن واحد. كائنان في الألق. كأنهما خارج الكون كله فلا يلحظان دخول كائن ثالث عليهما. لتخرج الاسئلة دفعة واحدة.

أين يذهب المعني هنا كما والعقل؟

تتكون «لماذا» كبيرة. «لماذا» بحجم ألم الكون كله. «لماذا أنا؟!» كأنه يقول مشيراً باتجاه عدم استحقاقه لأن يكون «مخدوعاً عظيماً». «لماذا» يقول معتقداً وموقناً أنه لم يكن مقصراً في شيء. يكتفي بالاسئلة، بالـ«لماذا» هذه ولا يفعل شيئاً. يخرج إلى الشوارع وقد ارتخت كرافاتته قليلاً، دلالة المهزوم والمنكسر. يخرج إلى الشوارع ناظراً إلى الامام. لا يلتفت إلى أحد. لم يفعل شيئاً لم ينطق أو يصرخ أو يعتدي على ذينك الكائنين.

يكتفي بنظرة إلى الأمام فقط وفيها يتركز بؤس العالم.

في «ملك وكتابة» جاءت «كنت مخدوعاً عظيماً» دفعة واحدة. تقديم ست ساعات كان كفيلاً بجرها من أذنيها. بالمقابل وفي فيلم (خيانة) انتاج (2002) جاءت «كنت مخدوعاً عظيماً» على دفعات. لم تكن كمطرقة هوت فجأة من السماء. كانت كعربة تسير الهوينا. وينظر «ريتشارد غير» إليها قادمة ببطئ على بداية طريق طويل يقع هو في الطرف المقابل. هو كان يعيش حياة هانئة ومطمئنة رفقة «ديانالين» زوجته ولديهما طفل. غني ومثابر ولا يهمل شيئاً. تقع (ديانالين) في مواجهة (أوليفيي ماريتينز) صدفة ذات تقاطع. ليقعا في الفراغ.هو يعلم جيداً أنه يقع. هي لا تعلم ولا تدري لماذا لكنها لا تستطيع التوقف. يعلم (غير) بهذا عن طريق صديق لتكون المراقبة وجعل (ديانا) تحت عينيه.ويصله الوقوع بطيئاً وعلى دفعات. يراقب ليعلم أنها لا تعي (وقوعها). ويغفر.

لكنه لا يستطيع انتشال ذاته من قسوة الـ«لماذا». لماذا حدث ما حدث ولم يكن مقصراً في شيء. يذهب لمقابلة «مارتينز» في شقته. يرى إلى كل زاوية فيها.

يحاول استنشاق عطرها الذي كان هناك.عطرها الذي كان ينتقيه لها بعناية. لا يجد الرائحة. لكنه يعثر على تذكار شبيه بقطعة أهدتها إياه في عيد ميلاده الأخير. هو غفر كل شيء بشكل مسبق كونه على يقين من أنها كانت لا تعي سقوطها. لكنه مع التذكار لا يستطيع غفرانه. وجد أن تقاطعه مع (مارتينز) ولو في نقطة واحدة يكفي لقتله. وهو ما يكون فعلاً.

وإذن.

نرى (محمود حميدة) هناك غارقاً في اسئلته في الـ«لماذا» الكثيرة التي هبطت عليه فجأة، فلا يترك بالاً للانتقام. انشغاله بألمه وبخديعته كان كافياً. و(ريتشارد غير) كذلك. لكنه لم يغفر نقطة تقاطعه مع أحد ولو بمجرد تذكار. هو يرى إلى أن وقوعها كان مرَضياً. أنها لم تكن تعيه. لكنها وبالمقابل في اختيارها لذات القطعة التي أهدته إياها كانت واعية تماماً. هي قامت باختيارها عن حب هو ذات الحب المماثل لحبها له. هي اعطت (مارتنينز) هديته عن وعي فيما لم تكن كذلك عندما شاركته كيانها.لكنها على العموم مسألة عصية على الفهم. فهمنا نحن هنا. وبالتحديد في مسألة غياب (عايدة رياض) هناك بعد لحظة ا نكشافها.وبين بقاء حضور (ديانالين) هنا وإلى آخر المشهد.

«سأكون ميتاً عظيماً».

«كنت مخدوعاً عظيماً».

يالبعد المسافة التي تفصل بين العبارتين.

بيت مكسور الخاطر لا يجد من يحك له ظهره

(1)



بيت موحش وقارص، بلا سقف أو جدران حماية.

بيت بلا بيت.

بيت لم يعد بيتاً. صار حفرة وهاوية. بيت صار قبراً وبأسنان تعظ الموت من رقبته.

بيت يغني «ابعتلي جواب».

بيت لا يجد من يحك له ظهره.

بيت مكسور الخاطر. يئن وسائراً بخطوات مرتبكة، بالكاد يقدر على فعل وصوله الى حيث يرغب.

بيت بلا مصروف جيب. بيت بردان.

بيت لا ينتبه أبداً للحفر الموضوعة في طريقه.

بيت مخدوع ومكذوب عليه. بيت تافه.

بيت حاصل في الثانوية العامة على نسبة 69.6٪ قسم علمي.

بيت بلا أم. بيت بلا حديقة.

بيت يعشق الحليب ويشربه، كل ليلة، قبل ذهابه الى حافة النوم.

بيت أهبل ويستحق اللطم على خديه. بيت بلا شارب ويتلقى الاهانات دائماً بسبب عدم وجوده معلقاً على وجهه.

بيت عاقر. بيت عنين.

بيت مقموع. بيت يتخطى

الاسلاك والعسكر ونقاط التفتيش لشيء في نفسه.

بيت مخبول تماماً اذ يفعل هذا.

بيت «يعطي نصف عمره من أجل الذي يجعل طفلاً باكياً يضحك.. ويعطي نصفه الثاني لمن يحمي زهرة خضراء أن تهلك.

بيت يعتقد ان الزبادي مع «الهوت سوس» صباحاً، اكثر رأفة بقلبه على الريق من تناول
كأس شاي ساخن.
 
 
 

(2)


بيت عاشق لصوت سليمة مراد اذ تغني «هذا مو إنصاف منك».

بيت يتدبر أيامه بصعوبة وعلى وجه الخصوص أمر توفير اجرة التاكسي.

بيت هرم وبشعر أبيض.

بيت عانس.

بيت مهمل وموضوع على الرف.

بيت لا يسأل عنه أحد.

بيت في العزلة.

بيت في الصحراء.

بيت بلا نشرة، أخبار. بيت بلا قناة «الجزيرة». بيت بلا خبر عاجل.

بيت مهدود الحيل وعاجز عن التبول بشكل طبيعي.

بيت يهذي من قلة النوم.

بيت بحاجة ملُحِّة لحبة «فاليوم».

بيت لا يصوم رمضان.
بيت حاول الانتحار عدة مرات ونجح مرة واحدة منها.

(3)


بيت بلا مكتبة.

بيت لا يستثمر وقته كما ينبغي.

بيت بلا خطة خمسية تالثة.

بيت مطرود من رحمة الله.
بيت بلا إيميل الكتروني. وبلا باسوورد. بيت بلا انترنت أساساً.

بيت بلا غرفة نوم.

بيت مخلوع الذراع. بيت بشعر نابت على رئتيه.

بيت بلا جوارب ولا ملابس داخلية.

بيت بلا «فياغرا».

بيت نائم على طول الوقت.

بيت متقاعد.

بيت بلا علبة سجائر محترمة.

(4)


بيت تفضحه عيونه ولا يعرف، على وجه الدقة، ماذا يريد من حديقة الجيران! بيت لم ينجح ولا لمرة واحدة في إخفاء دموعه كلما أعاد مشاهدة اللحظات الأخيرة من فيلم «لا تسألني من أنا» بطولة شادية ويسرا والهام شاهين.

بيت يسقط دائماً ولا يتعلم. يصر على سيره ذات الطريق مرتين وهذا لأنه يعيش في هذيان رحيم ولذيذ لم ينقطع يوماً منذ 14/4/1994.

بيت لا يفكر أبداً نيله من هيبة الدولة أو حتى إهانة علمها الجمهوري. بيت مسالم ويعشق تمسكه بأبجديات الحفاظ على السلم الداخلي والوحدة الوطنية.

بيت يحمل بحراً دائماً في جيبه تحاشياً لأمر وقوعه في العطش ذات زاوية من سرير بلا ملاءات صالحة للتصوير والتقاط صور تذكارية.

بيت يدرب قلبه على النسيان ويفشل. هو لا يعرف أن القلب ليس مركزاً للذاكرة بل خزاناً لها وحاوية.

بيت لا يحب يوم الجمعة. بيت يحب الدورة الدموية.

بيت يترك ملحه على النوافذ.

بيت لا يعقل أبداً.

بيت بلا برج مراقبة.

بيت منزوع السلاح.

بيت يشد الحزام على قلبه.

بيت بهاتف محمول لا يرن أبداً، بلا رصيد ولا يمكنه بعث رسائل sms.

(5)



بيت ادخال جمركي. بيت كأنه بحاجة لاعادة تأهيله حتى يكون قادراً على تحمل أعباء دخول الألفية الثالثة.

بيت لا يجيد السؤال عن أحوال الناس: أصدقاء، أحبة، عائلات قريبة، عقال حارات سكنها في فترات سابقة من أيام عمره. وهذ لأنه لا يحب إزعاج الأخرين. في السؤال إزعاج وتعد على حقهم في الحياة كما تود أنفسهم ويشتهون.

بيت يعشق «مدام بوفاري» و«آنا كارينينا» على حد سواء ولا يفرق في معاملتهما هذا علي الرغم من كونه لا يقوى ابداً على خوضه علاقتين في وقت واحد.

بيت مؤدب ويقول صباح الخير لكل العابرين أمام وجهه. بيت خجول ويبدو أنه يحترم نفسه، أحياناً.

بيت مستكين في تابوت.

بيت لا يقطع وعداً لأحد.

بيت يحب المزيكا وحركات الجسد.

ومع هذا فهو بيت بعيون مُتعَبة.

بيت يجلس متربعاً على خرابه.

(6)


بيت لا يجد في ذاته أدنى رغبة كيما يُغِّير من عاداته.

بيت وفي ويدرك تماماً أنها لعنة قديمة أصابت قلبه ولم يعد هناك متسع من الوقت للتراجع.

بيت متروك للصدفة ويُغرىَ باللهاث عن طريق أدنىَ إشارة يتقاطع معها.

بيت ساذج. بيت بلا ثياب ملائمة لحالة الطقس.

هو يلبس كيفما اتفق. بيت بلا دولاب ملابس أصلاً. بيت عار من الصحة.

بيت لا يشك في شيء.

يسير عن طريق البداهة والدفع الذاتي.

بيت موديرن وجنتل يفهم تماماً أصول الاتيكيت. بيت يُحسن الانصات.

بيت يحترم الرصيف. بيت لا يسير على الرصيف.

بيت لا يسير على الشارع. بيت لا يسير على شيئ.

(7)


بيت لا يحب النهايات الحزينة والتي تكون فجأة بلا تراتيب مسبقة.

بيت بلا بيت.

بيت لا يعقل أبداً!

من أين يا سعاد يأتي كل هذا البرد!

البرد بلا أخلاق وبلا ثوابت وطنية. (لكنه مع ذلك هو لا يعقد صفقات سياسية خاسرة وفاضحة كما لا يلعب من تحت الطاولة المستديرة!)... البرد ليس عاطفياً وبلا قلب. لا يمتلك بريداً الكترونياً أو صفحة خاصة على موقع ال " فايس بوك ".


(1)




البرد منفى.



البرد منفيُ ووحده يقيم في فضاء الشوارع الخالية. الناس في بيوتهم خلف جدرانها ووحده المنفيُ بلا رفقه أو مدفأة أو أطفال يلعبون بأطراف أصابعه. البرد بلا كبرياء، يتركه الناس لوحده ويذهبون إلى بيوتهم.

البرد بلا أهل. يتيمُ ويشبه مولوداً خرج إلى الدنيا، في حين يقيم والده في السجن محكوماً بعشر سنوات سجن بقضية ملفقة.

البرد منفى.

البرد منفيُ وسيبقى على حالته هذه حتى آخر قطرة من أيامه.

البرد بلا وطن، (لكن ما نفع الوطن!).

البرد بلا أخلاق وبلا ثوابت وطنية. (لكنه مع ذلك هو لا يعقد صفقات سياسية خاسرة وفاضحة كما لا يلعب من تحت الطاولة المستديرة!).

(2)

 

البرد منفى.

البرد منفيُ ولا يذهب إلى السينما.

البرد لايعرف من تكون سعاد حسني أو اسمهان أو حتى ليلى مراد. البرد لا يعرف فريد شوقي أو أحمد زكي وإسماعيل ياسين. البرد لا يعرف حلاوة عنق وردة الجزائرية ولاعمايل شمس البارودي في فيلم " حمام الملاطيلي ". البرد لا يعرف فؤاد الكبسي أو " الحبيب الذي مال عنا واحتجب ".

البرد قليل أدب.

البرد منفى.

البرد بلا غطاء يقيه من البرد.

(3)



البرد منفى.

البرد بلا تلفزيون ملون ولا قنوات فضائية ولا يشاهد مثلنا مسلسلات تركية مدبلجة.

البرد لا يعرف حكاية " نور ومهند "، وما صارت إليه.

البرد ليس عاطفياً وبلا قلب. لا يمتلك بريداً الكترونياً أو صفحة خاصة على موقع ال " فايس بوك " الشهير.

البرد لا يمتلك مواعيد غرامية وعاجز عن إرسال رسائل " إس إم إس ". لم يكن طالباً جامعياً في كلية الآداب ولم يُمنح فرصة الجلوس تحت أشجارها وتبادل الكلام الدافئ مع كائنات دافئة وحلوة.

البرد بلا ذكريات وبلا ألبوم صور، يحتوي على لقطات مأخوذة من حفل التخرج ورحلات إجازة الترم الأول. البرد لم يدخل في صراعات " أخلاقية " مع طلاب حزب الإصلاح الديني وعميد الكلية الذي كان يعارض مثلهم، مثل هكذا رحلات مختلطة ومفتوحة على مجونها!

(4)



البرد منفى.

البرد منفيُ.

البرد جبان ويضرب من تحت الحزام، والجلد. البرد يدخل من تحت الجلد ويؤذي تماماً. البرد يذهب بالأطفال إلى مستشفى السبعين للأطفال والنساء والولادة في أنصاف الليالي. الأطفال مهنته المحببة وهوايته المغرورة بنفسها. البرد بأسنان حادة وينهش في القلب. الأطفال بلا حول ولا قوة. الأطفال بريشٍ مبلول وبأجسادٍ متهاوية هشة ولا يملكون غير البكاء.

البرد عدو دوريات الشرطة الليلة وجنودها الذين يدافعون عن أنفسهم بأنفسهم ويقدرون ردعه. الجنود بأسلحة مدججة وذخائر ويستطيعون الدفاع عن أنفسهم. الأطفال لا يستطيعون ذلك. ولذلك يُذهبُ بهم إلى مستشفى السبعين. الأطفال ضحايا البرد. فمن أين يا سعاد يأتي كل هذا البرد!

(5)



البرد مجرم حرب متورط في جرائم ضد الإنسانية. سيذهب يوماً إلى المحكمة الجنائية الدولية أسوة برفقته الذين بدأوا يكرّون مثل السبحة واحداً واحداً، والطابور طويل.

البرد كان بطلاً رئيسياً في فيلم " الجبل البارد " لنيكول كيدمان وجود لو. الفيلم الذي يحكي قصة الحرب. البرد والحرب وجهان لقذارة واحدة وكبيرة. لابد أن يساق البرد إلى المحكمة الجنائية الدولية تماماً كأصحاب الحرب، أي حرب. البرد ظلمات بعضها فوق بعض والحرب كذلك، أبطال الحرب ظلام وقتلة ينهشون قلوب الأطفال .

نقفل الأبواب فيدخل البرد من النافذة.

ننتبه للنوافذ لتدخل الحرب من الباب.

البرد عارُ، والحرب كذلك. ولا ينفع نزولنا إلى الشوارع. (هل نذهب إلى البحر؟). البحر بعيد. البحر في عدن ويشكو الحرب الحاصلة فوقه وحواليه.

الحرب في كل مكان والبرد كذلك.



البرد تحت الجلد وفي القلب. الحرب خارج المكان.

الحرب في التلفزيونات وفي الجرائد وفي الأخبار العاجلة وعلى ألسنة مراسلي القنوات الفضائية. البرد في الكتب وفي حقائب الأطفال المدرسية.

الحرب في إشارات المرور. البرد في جيوب سائقي التاكسي. الحرب في ميدان التسعين. الخرب في ميدان الأربعة والتسعين. الحرب في ميدان الخمسمائة. الحرب في ميدان الأربعة والتسعين. الحرب في ميدان الألفين وثمانية.

 

لماذا يصّر البرد على البرد؟

لماذا تصّر الحرب على الحرب؟

البرد منفى، والحرب كذلك.



ماعلينا من البرد (ربما) ولو مؤقتاً. البرد يذهب ويعود مع تبدل فصول أيامنا وما عليها. البرد لا يقيم على رؤوسنا على طول. البرد يذهب مهما استقوى واستطال. حياته فصل واحد ويروح. لكن الحرب تبقى قائمة ولا تعطي بالاً لهذا التبدل وتعمد إلى تمزيق أحلامنا. الحرب لا تذهب إلى النزهة. (مع الاعتذار من الشاعر الصديق عبد الرزاق الربيعي الذي قال ذات قصيدة " عندما تذهب الحرب إلى النزهة "). الحرب لا تذهب إلى أي مكان. هي تقيم فوق أضلاعنا وقلوبنا. تراقبنا وتخشى أن نذهب إلى مكان. الحرب تخاف عيشها وحيدة من دوننا. ماذا ستفعل الحرب لو ذهبنا وتركنا لها الحياة و المكان!

إلى من نشتكي الحرب؟



البرد مجرم بمفرده، ونراه متبختراً أمامنا. للحرب جناة كثر ولا نستطيع رؤيتهم بالعين المجردة. للحرب أشباحها، في الغيب وعلى هذا الأخير يستقر أمر حمايتهم.



ماعلينا من الحرب. نقول في قلبٍ للمعادلة الأولى. هذه (الحرب) لا نقدر عليها.



نحارب البرد بأغطية ثقيلة من الصوف و مدافئ كهربائية وفحم المواقد. ولو دفعنا فواتير باهضة. ولو هددونا بقطع التيار الكهربائي عن منازلنا مالم نقم بدفع ماعلينا من فلوس خلال ثلاثة أيام من تاريخ استلام الفاتورة.



لكن كيف نحارب الحرب! كيف نمسك بالرصاص ونرتكب الحرب!

ماعلينا إذن من الحرب .

(6)



البرد منفى.

البرد بلا روح. (هذا ما نقدر عليه). نحن نقدر على البرد. (قلنا).

نستطيع الكلام عنه و عليه والثرثرة فوق رأسه ورأس والديه. فيما الحرب شأن الرب وعليه وحده أمر تخليصنا منها.

الحرب لا تعرف النكتة.

بمقارنة بسيطة بينهما، يبدو البرد الطرف الأضعف تماماً، في حين تباهي الحرب ببجاحة قوتها النووية العظمى. البرد إيجابي جداً إزاء الطرف المقابل.

البرد كائن مريض، نعم، ويعاني من الزهايمر طوال ثلاثة فصول. فهل نذهب إلى النوم؟ النوم علاج ناجع للبرد. النوم يمنع البرد ويحمينا منه. لكن من يحمينا من الحرب والى أين نذهب في عتمة ليالينا؟ الحرب لا تعرف جائزة نوبل للسلام.

 

البرد منفى ومنفيُ، بلا روح وقليل أدب.

البرد مبتذل وسوقي، على الأطفال خصوصاً (كما قلنا).

البرد فضيحة ولا يليق أبداً بوجه الحياة الصبوح. لا يليق أبداً بتبدلات الفصول.

البرد حرامي رخيص. يحترف سرقة الهواتف المحمولة من جيوب الفقراء في حين لا يقدر على تجاوز أسوار البنوك وأكل خزائنها وما فيها من عملات صعبة وسهلة. البرد سارق مواشي وما يجده من ملابس داخلية معلقة على جدران البيوت.

(7)



البرد مبتذل سوقي، وقليل أدب.

لكن الحرب لا تعرف النكتة!


عن كائنات سوداء.. مهملة

الموت كحل

ما حاجتك للأكل يا أيتها الشقية الصغيرة!

لا حياة أمامك. لا أيام بيضاء بين يديكِ. حياتكِ غير قابلة للحياة. ستعيشين دائماً بكتفين مثقلتين. حياة بلا معنى وفاقدة لشرطها الطبيعي. حياتك ناقصة، حياتك مخلوعة بشكل مسبق. أو من هذي اللحظة، ومحال اكتمالها في دارفور، جحيمك الحالي. لا شيء تندمين عليه. لا تكوني مغفلة وامتنعي عن طعامك من الآن. لا تصدقي أمك البائسة هذه التي ترغب إذاقتك ما ذاقته هي في أيامها السوداء الفائتة. ليس حناناً ما تفعله لك. ليس طعاماً ماتعطيك إياه. هو تذكرة عبور لموت طويل مقسم على مراحل.

تمردي على هذه الأم القاسية. كوني طفلة عاصية، عاقة، تمردي على هذه الأم المجنونة واختاري موتك. موت عاجل سريع أهون عليك من موت طويل وعلى مراحل. موت على دفعات. موت له أمر انقاذك من تجارة مزدهرة على حساب من هم مثلك. جسدك سيغدو سلعة. فرصة سانحة للاتجار به وتصديره إلى دول الجوار وإلى من يستطيع أن يدفع ثمناً مناسباً له ولك!

موتي مرة واحدة. واستريحي قبل معانقة عذابك الطويل... المنتظر.


«في واحدة من أحدث مآسي النزوح، أجبر القتال الدائر في دارفور حوالى مليوني شخص على ترك ديارهم، وتواجه النازحات بصفة خاصة الكثير من المشاكل اليومية، فيتعين عليهن جمع الحطب وجلب الماء والبحث عن الغذاء. والصورة من مخيم قريضة في دارفور غرب السودان.

أطفال.. وجنود
«ذات يوم أرغمنا قادتنا على المشاركة بقتل عائلة. وقررت الهرب فالتجأت إلى الغابة، لكن بعض الجنود عثروا عليَّ وأعادوني إلى المعسكر، وهناك سجنوني وأخذوا يضربونني كل يوم. أشعر اليوم بالخوف، فلست أعرف القراءة، وأجهل مصير عائلتي. فلم يعد لي مستقبل، وضاعت حياتي، ولم أعد استطيع النوم في الليل، إذ تطاردني كوابيس تلك الأشياء المرعبة التي شهدتها وشاركت فيها كجندي».
كالامي - طفل كونغولي - 10 عاماً

هم أطفال خلقوا لموتهم. في سيراليون وليبيريا وأفغانستان والصومال والكونغو وكولومبيا وكمبوديا والنيبال. بلا وقت فائض لألعاب وتسليات الطفولة المعتادة. بلا وقت فائض متيح لجلوسهم على كراسي المدرسة. بلا أناشيد في طابور الصباح. أطفال بلا واجبات يتطلب حلها تحاشياً لغضبة مدرس هائج دائماً. أطفال خلقوا لحروب لا تشبع. وعلى طول تود ذخيرتها. في رواية أحمدو كوروما «الله ليس مجبراً» قرأنا عن تورط دول وأنظمة عربية وأمراء حروب في عملية تسمين الاطفال -الجنود أو «enfants -soldats». في فيلم «الماس الدامي» لديكابريو (2006). كُشف النقاب عن الكيفية التي يتم بها تأهيلهم منذ نعومة أظفارهم لهذه المهمة. الاغراء المادي أولاً. التعبئة النفسية. كل العالم عدو لكم. كل ما تطلبونه تجدوه بين يديكم حالاً. إدخالهم في الإدمان. تدريبهم على القنص بأعين مفتوحة. تدريبهم تالياً على القنص بأعين معصوبة والأهداف كائنات حية مربوطة على عمود قبالتهم. هم لا يعرفون ذلك. يصوبون فقط فيما النتيجة ستأتي لاحقاً حال اكتشافهم ما أصابوا بنيرانهم. هي نوبة صراخ مؤقتة فقط. بعدها يتأقلمون مع الحال فيما يدمنون عليه لاحقاً. يصير للقتل لذة ومزاج. يصبح مهدئاً ولا يكون النوم ممكناً بدون فعله. يصبح القتل وسيلة وحيدة للبقاء على قيد الحياة «هم يلجأون إلى القوة المفرطة ويطلقون النار بدون سبب وغالباً، لا يدركون نتائج أعمالهم والمعاناة التي يفرضونها على الضحايا».
تقدر الاحصاءات الخاصة بالأطفال الذين يزج بهم في النزاعات المسلحة أن عددهم يقدر بحوالى الثلاثمائة ألف طفل على صعيد العالم. بينما تتحدث منظمة اليونسيف عن تجنيد أكثر من 250 ألف طفل عام 2006 بعضهم لا يتجاوزون السابعة من العمر.


نجاة على قارب موت

هو لا ينظر إلينا. ولا للكاميرا الموجودة قبالته. هو ينظر وبعين لامعة للجهة الأخرى من البحر. أوروبا أو الفردوس الموعود. هو ينتظر، بفارغ صبر، هبوط الليل. قدوم قارب نجاته/ موته. هارب من أرضه باحثاً عن حياة أخرى، بديلة. هارب بلا لفتة واحدة إلى الوراء.

هارب بلا حنين، لا وقت لديه لفعل ذلك. الحنين أمر لا طاقة له به. هو يود هروباً ولا غير. الهروب بما هو فرصة أخيرة للعيش كما يليق. كأن الانتقال من ضفة إلى أخرى حل أكيد أكيد للمسألة. سيكون الموت أكيداً في الماء لكنه لا يراه، أو أنه لا يرغب رؤيته. هو يرى البحر نجاة، مع أنه ليس كذلك.



تفيد التقديرات الأخيرة للأمم المتحدة الواردة في تقرير الأمين العام «الهجرات الدولية والتنمية 14 و15 سبتمبر 2006» تفيد بأن التعداد الاجمالي للهجرة في العالم يبلغ حوالى مائة وتسعين مليون نسمة وأن نسبة الهجرة السرية فيه تتراوح ما بين عشرة إلى خمسة عشر بالمائة، أي ما بين تسعة عشر مليوناً وثمانية وعشرين ونصف المليون المهاجر سري. غالبية هؤلاء لا يجدون أمامهم غير قوارب الموت كوسيلة انتقال. ذاتها القوارب المملوكة لعصابات إتجار بالبشر لا يهمها شيء، غير المال ولو كان هذا على حساب الارواح المتكدسة على تلك القوارب. «تفيد الاحصائيات الرسمية الاسبانية بأن هناك تفاقماً مطرداً للهجرة السرية باتجاه جزر الكناري والتي بلغت في الأشهر التسعة الأولى لسنة 2006، ثمانية عشر ألف نسمة رافقها هلاك عدد ضخم من الضحايا غرقاً، إذ عثر
على ما يناهز ستمائة جثة غريق في نفس الفترة».

تأنيب لا شكوى

13 إصبعاً، ممسكاً بخناق عمود، أو ما تبقى من شجرة ميتة. ممسكة بها كحبل نجاة.  إصبعاً وستة أعين في المجموع. أصابع ممسكة وعيون تنظر إلينا، هي لا تنظر لعدسة كاميرا، هذه الأخيرة وسيط فقط. هي ستة أعين وتنظر إلينا. النظر هنا بوصفه تأنيباً وشكوى. قد يكون تأنيباً فقط إذ لا مجال لشكوى وقد كان ما كان. الشكوى ترف.




«على مدى الخمسة عشر شهراً الماضية، كانت تشاد مسرحاً لمزيد من الاضطرابات، مما حمل معه ما يقرب من مائتي الف شخص للجوء في اثني عشر مخيماً على الحدود، حيث يشتد العبء الملقى على عاتق النساء وعلى من ترعاهم من الاطفال يترجم نفسه في تعبير حانق على العالم اجمع يرسم نفسه في الأعين التي تستشعر الظلم».


اشارتان

* الصور والأرقام الواردة في هذي الكتابة مأخوذة عن مجلة «الإنساني» الصادرة عن الصليب الأحمر الدولي - ربيع 2007.

* شكر ممتد للصديق نبيل الصوفي الذي كان حلقة وصل بين المجلة وبين كاتب هذه السطور

   نُشرت هذا المادة بصحيفة "النداء " اليمنية في 26 يوليو 2007

كأنها نائمة..


تستلقي اليد اليسرى على ظهرها من تعب أو من انتظار لمزيد!من يدري ! وحده من التقط الصورة يعلم بحقيقة مايجري على السطح الأبيض الظاهر قليلا في اللقطة أو إلى جواره.
اليد اليسرى ومقلوبة في حين تبقى الأخرى في الجهة الثانية ،المُختفية التي لانراها ولاندري ماذا يحدث معها.هل تراها مقلوبة هي الأخرى أم تجلس على بطنها مُعطية ظهرها للسماء!


هي اليد اليسرى ومقلوبة على ظهرها.اليدُ اللئيمة التي لاتقول لنا ما الذي يحدث لصاحبتها على  الجهة الأخرى التي لانراها.

عجوز



أهو تحايل على المطر، أم عجوز على قيد الحياة ويأكل ما تحت قدميه؟ لكن لا مطر ظاهر تماماً في الصورة، كما ولا قدمين! الطريق فارغ ولا كلاب تعوي. المعطف الذي كمظلة على رأس العجوز دليل على المطر. الخطوات الجائعة الى الأمام دليل على وجود قدمين تسيران على طريق هادئ. أو هكذا يبدو. طريق فارغ وهادئ ليس فيه ما يُغوي. طريق بلا فوضى. ولو بشكل مؤقت. هي هدنة، ربما، مع القتل والسيارات المفخخة والأوادم الذين بأحزمة ناسفة ويرون في الطرقات ممراً أكيداً إلى الجنة. ينظر العجوز الذي بمعطف على الرأس الى أسفل. هو يعرف طريق عودته ولن يضيع بيته. يود فقط وصولاً سالماً. ينظر العجوز إلى أسفل وكأنه غارق في محاولة للنسيان.


النظر إلى تحت طريقة ناجحة للنجاة من الموت. المعطف على الرأس وسيلة ناجحة للنجاة من المطر. الشيخوخة طريق قصير إلى الموت. دواء فعال وأكيد للتخلص من ألم الحياة.





موت معلن




هو بكاء ذكوري بحت. كما ولطم ع الخدود. ولكن كيف يبكي الرجال؟ البكاء رديف العيب. لا يبكي الرجال في السوق، في الشارع، في الأحوال العادية ولو كان هناك ما يستحق. البكاء للمكالف والحريم. يقولون: في الموت ينقلب معنى الأشياء.
يكون العزاء فسحة للدموع كما واللطم ع الخدود. خرج الولد إلى السوق لشراء حاجيات مطبخ والدته ولم يعد، لم يصل إلى مطبخها. نصبوا له خيمة وراحوا دامعين ولاطمين بداخلها. لا نساء في الصورة. لهذا أخذ الرجال حريتهم في اللطم والبكاء. لا شيء يكسر الرجل مثل بكاءه أمام أنثى.
الكفوف على الرؤوس. في الخلف يبدو قفا رجل وبأصابع تظهر أطرافها على الرأس. رأس يبكي بكل تأكيد. ربما لم يقابل أبداً وجه الولد الذي قُتل. لكنه يبكي. ليس بالضرورة أنه يبكي على الولد الذي من أجله أقيم العزاء. هو يبكي متذكراً أفراداً من أسرته قد راحوا إلى موتهم قبلاً. العزاء فرصة لها أمر تمكيننا من البكاء بأثر رجعي على خساراتنا الفائتة.
الحياة موت معلن وممكن في أية لحظة.

موت الصدفة. السير على شارع خطأ في التوقيت الخطأ. نحن لا نملك أعمارنا، تديرها الصدفة. كيف تكون الحياة حلوة هكذا؟ لن نخرج إلى الشوارع إذن. سنقعد في بيوتنا. هي وسيلة ناجحة لازهاق روح الموت المعلن في الشوارع. لن يذهب الولد إلى السوق لشراء حاجيات مطبخ والدته. ولن يجد أفراد الأسرة شيئاً يأكلونه على مائدة طعامهم. بعد اسبوع سيموتون من الجوع. هو موت في الحالتين. إلى أين نهرب إذن؟ كيف ننجو من الموت؟

.........
نُشرت بصحيفة "النداء " اليمنية الخميس , 2 أغسطس 2007 م

فقد مؤقت




يبدو حزنها هادئاً. بلا لطم ع الخدود ولا نحيب.
هي دموع فقط وتنزل على مهلها. غير مستعجلة. أمامها وقت طويل وممتد كي تفعل ما تود وترى. ستبكي شهر أو شهرين. يبدو حزنها أنيقاً. بشعر يبدو مُسرَّحاً بعناية من أطرافه الظاهرة قليلاً بين الحجاب والجبين. صورة تحيلنا إلى وجه فاتن حمامة في «يوم حلو.. يوم مر». وأيضاً، فردوس عبدالحميد في «الطوق والأسورة». تعيدنا الحياة إلى السينما أم العكس؟ في الفيلمين يظهر حزن فردوس وفاتن أبدياً. السينما حارس أمين على الحزن. في الحياة يكون النسيان سريعاً. شهر أو شهرين وتعود الحياة كنهر طويل.. وهادئ. الحياة قصيرة ولا بد من استغلالها. والأحياء أكثر نفعاً من الموتى. تزوج «فلان» بعد شهر من وفاة زوجته. «من يدفء لي سريري؟» قال.
 تزوجت «فلانة» بعد سبعة أشهر من وفاة زوجها. «من يطرد عني وحشة البيت؟ من يفك لي أزراري ويحك ظهري في الليل؟» قالت.
الوحدة ديناصور ثقيل الدّم على قلب إنثى.
يذهبُ الصيف قريباً ويحطّ البرد على العالم. الشتاء عدو الموتى. يُعجّل بطرحهم في النسيان. 
«من يملىء فراغ حضني؟» قالت.
 «من يؤنس وحدتي؟» قال. 
كيف تنسى رائحة زوجها سريعاً؟ كيف ينسى رائحة زوجته؟

الموتى لا يحسنون فعل شيء مفيد. الأحياء يجيدون ذلك.

..........
نُشرت في صحيفة "النداء "اليمنية .الخميس , 2 أغسطس 2007 م

قرص وردي صغير.. ولا يكترث


(1)


القرص الوردي المثبت على تكويرة، ويظهر على يمين الصورة له طعم الشاي البارد. الفتاة الجالسة لوحدها قبالة كرسي فارغ لا تعرف هذا. كما لا تعرف أن طول الانتظار لا يختصر المسافة بين متباعدين، أن رسائل الــ sms لا تفي بالغرض دائماً. القرص الوردي المثبت على تكويرة وحده من يستطيع إثبات هذا إضافة إلى حقيقة أن وظيفة عقارب ساعة مربوطة على معصم أيسر هي من الأهمية بحيث لا ينبغي تركها للصدفة. الصدفة شابة رعناء لا تحسن التصرف ولا تجيد استغلال الفرص.


(2)


القرص الوردي الصغير المثبت على تكويرة يخرج باكراً وبكامل أناقته بعد أن يكون قد أنجز تمارينه الصباحية على هدير إذاعة "سوا" وشرب كأساً من حليب "أنكور". هو القرص الوردي كلوحة نيون.
هو القرص الوردي المدلل منذ طفولته والمربى على التأنق. هو القرص الشخصية.
القرص الملهم. القرص الرئيس وزراء. القرص الباشا وفتوة الحارة. القرص القبضاي. القرص الأفندي. القرص كابتن الفريق. القرص المايسترو ولاعب الليبرو، القشاش في رواية أخرى. هو القرص الوردي الصغير الذي بتطلعات استعمارية. يسير واثقاً على إيقاعات لا تشبه أبداً موسيقى جاك بريل في لحن "أمستردام". القرص الوردي الصغير غير المكترث بأحد، يفتح هاتفه المحمول في وسط الشارع المفتوح مطلقاً ضحكات متتالية حمراء تشبه ضحكات سعاد حسني في "شفيقة ومتولي". هو لا يكترث أيضاً -القرص الوردي أقصد- برجل المرور الواقف قبالته والكأنه سقط في الحب من أول نظرة فراح، بقلب كبير غافراً كل ما يحدث أمامه من مخالفات مرورية فاضحة.


(3)


القرص الوردي الصغير والمثبت على تكويرة، يقتل وبضربة واحدة جندياً عائداً لتوه من خدمته الليلة المفروضة عليه والتي تقول بلزوم قيامه بحراسة مبنى يقطنه حراس شخصيون لسعادة وزير الطاقة البديلة. هو لا يكترث – القرص الوردي أقصد- بتبعات ما يخلفه سيره وواثقاً على الشارع. القرص الوردي ذاته من لم يهتم ولا لمرة واحدة بعناوين الصحف الرئيسية ولا بخبر زيارة السيد الرئيس لمصلحة السجون صباح عيد العمال العالمي. القرص الوردي لا يكترث للسياسة ولا لأخبار الطقس ولا حتى لخبر انتحار الشاب ويليم (18 عاماً) من ولاية فيرجينيا الأميركية احتجاجاً على إعدام صدام حسين. كما واحتجاجاً على عبارة "صدام حسين أشهر كبش عيد أضحى في التاريخ" التي وردت على موقع (every screen) الالكتروني.


(4)
القرص الوردي الصغير والمثبت على تكويرة يعرف تماماً وجهته. يعرف أن السير وبإيقاعات ثابتة صعود. أن العطر تذكرة دخول للعدم. أن النسيان جزء من الحياة. أن الذكريات عامل رئيسي في الإصابة بأمراض القلب وتصلب الشرايين. القرص الوردي يعرف مهامه تماماً وأن كل ما قيل قد قيل سابقاً. وأن الحكاية ليست سوى تكرار وأن الأمر لا يعدو عن كونه مربعاً في شريط كوداك تعرض للتلف بسبب الرطوبة وسوء التخزين. أن الحكاية ليست سوى فيلماً بالأبيض والأسود يعاد تكرار بثه على قناة الأفلام منذ عشرين عاماً بلا ملل وبلا توقف.


(5)


< "ولماذا، الآن وهنا كل هذي العاطفة العاصفة؟" قلت...


- «ربما من كثرة الشوق.


وربما من كثرة الوجع الهاجع في قلبي!!» قالت.
..........................

نُشر هذا النص في عدد صحيفة "النداء" اليمنية .الخميس , 3 مايو 2007 م

وأنا أخاف عليكِ...




أين ستقفزين يا مجنونة؟ لا يكون الأمر هكذا أبدا.أعلم انكِ بطلة وتقدرين على فعل كل شيء.لكن الحكاية هنا ليست ككل مرة.



الماء الكثير من فوقكِ والهاوية الشاسعة في انتظارك ولاحل وسط بين المسألتين.هو حتفكِ في الحالتين.لاتوقعات هنا ولا احتمالات.



موتان وبينهما موت مؤكد.



لكِ أن تنسحبي تدريجيا إلى اليمين أو إلى اليسار ،وقليلا قليلا ستصلين حافة نجاتكِ.لكن لاتقفي، ابق مؤخرتك على التصاقها بأرضية الحوض،في استقامتكِ هلاك وأنا أعرف خوفكِ من الأماكن العالية وفيها يختل توازنكِ .لاتدّعي بطولة خرقاء وتقومي بفعل عمل متهور.بحق السماء ،انسحبي فقط.لاتضعي قلبي في الجحيم.لقد كبرت على هذه الألاعيب الصغيرة ولم أعد أقوى على القلق.

مُزحة



هي كنت تمزح.
هذا هو الوضع الطبيعي للصورة.ولم يكن هناك مايهدد حياتها..

هدنة..



عيد بين حربين.هدنة مؤقتة تفصل بين بداية العيد ونهايته.تبدأ الهدنة مع بداية العيد وتنتهي مع انتهائه .هم رحماء جدا،لايرغبون في إزعاج عيدنا بصوت الطائرات وهي تقلع في كل وقت من تحت رؤوسنا .يالهم من رحماء فعلا.تقطرُ قلبوهم رحمة ويتعرقونها من فتحات مؤخراتهم.

ويرتفع صوت الصافرة لتتوقف الحرب ،تعود ثانية لتعود.صافرة وحرب.وبينهما قتلى وأمور أخرى(بضم الهمزة وفتحها).