الثلاثاء، 25 نوفمبر 2014

الموت ويسكن في دم الحياة


(1)
كأن الموت ينام إلى جوار وسادتي. أو .. يتقاسمها معي. الموت ومعه فكرة التقدم في العمر. يبدوان متراكمين بعضهما فوق بعض على الطاولة الملاصقة لسريري. كأن الموت وفكرة التقدم في العمر صارا صديقين ليّ ويتخذان موقعاً مجاوراً لصحوي ونومي ووقت شغلي. أنا اشتغل عادة أو دائماً على سريري. عندما كنتُ صغيراً لم يكن لديّ سرير خاص بيّ. لم تكن حالتنا في العائلة تسمح باقتناء سرير خاص لكل فرد فيها. لهذا،عندما امتلكت سريراً صار يطاردني هاجس فقدانه على طول ولهذا لا أفارقه وأفعل عليه كل شغلي. وينطبق هاجس الفقد هذا على كل الأشياء التي صرت أملكها. يبقى احتمال فقدانها قائماً في أي وقت. هو الأمر نفسه الذي ينطبق على حياتي التي لا أعتبرها حياتي ويقيم هاجس فقدها ظاهراً أماميّ بلا انقطاع.
(2)
البارحة ظهرت الفكرة مجدداً أو لم أكن منتبهاً لها. وجدت قصة الموت وفكرة التقدم في العمر نائمة إلى جواري. بداخل كتب وصلتني من بيروت قبل أيّام. هل يمكن تسمية هذه السلسلة المتشابهة مجرد مصادفة لا أقل ولا أكثر!  رواية صديقنا جبّور الدويهي "حي الأميركان"، و "يا مريم" لسنان أنطون، وكتب أخرى. بقت الروايتان إلى جواري وصارتا  إلى جوار "لا طريق إلى الجنة" الرواية الأليمة للكاتب اللبناني حسن داود. هذه الأخيرة كانت معي من السابق. من يوم صدورها في معرض بيروت للكتاب. تجاورت الروايات الثلاثة. مصادفة!
(3)
في "لا طريق إلى الجنة" ومن صفحتها الأولى يُخبر الطبيب مريضه بالمصيبة التي اجتاحت جسده " كنت سأفهم من أي شيء يقوله أنني أصبت بالمرض الذي أخافه.. ظننت أن الناس كلما كبروا صاروا أقدر على التحكم في هيئاتهم". في رواية "حيّ الأميركان" ومن السطور الأولى أيضاً " يهرول (عبد الرحمن) متمايلاً نحو دورة المياه تلبية لحاجته الصباحية التي تزداد إلحاحاً مع تقدمه في السنّ". يحدث هذا الأمر معي. في رواية " يا مريم" ومن الصفحة الأولى كمان تبدو صورة العجوز الذي فقد أسنانه وصار يعيش في الماضي وينهض مثلي باكراً "منذ أن أصبحت مثانتي أفضل منبّه طبيعي يجرني على الاستيقاظ وزيارة الحمّام أكثر من مرة". هذا أمر يحدث كذلك معي من فترة مع بداية تساقط الأسنان. "تساقطت أسناني منذ سنوات وكنت أنزعج من الطقم لفترة طويلة قبل أن أعتاد عليه. كنت أعزيّ النفس ببقاء شعري الأبيض قوياً". وما يزال شعري الأبيض قوياً أيضاً.
أيّ مصادفات هذه! كل هذا الموت وأفكار التقدم في العمر والشعر الأبيض وغيره المتساقط، كل هذا في السطور والصفحات الأولى في روايات قعدت إلى جوار بعضها وإلى جواري وتنظر وكأنيّ صرت غنيمة حرب أو موت قريب. ( بطل رواية "يا مريم" لن ينتهي بالموت العادي، سينتهي برصاص يهطل على جسده وهو يصلي بداخل كنيسة بعد أن كان يقوم بترديد ذكرياته على طول الرواية كأنما لا يريد نسياناً لها).
(4)
مصادفة أو مصادفات!

مثل الموت أو على العكس منه إذ يقال: يأتي الموت فجأة. على الرغم من واقع الحال الذي يقول بأنه يبدو كمقاول بذاكرة مرتفعة ومصقولة يعرف تماماً كيف يستعد للدخول إلى حياة الواحد والإقامة إلى جواره،على الطاولة، على هيئة روايات تبدو مجتمعة عن طريق مصادفة. هو لا يعجز عن إيجاد وسيلة لها أن تبديه كأنما حدث فجأة حين يحدث. لئيم ووغد هو و.. ابن كلب.