الجمعة، 12 يونيو 2015

علّه .. يتصل


يأتي، كل مساء ويجلس معنا في المقهى البسيط والحنون في منطقتنا. يبدو كمن تجاوز الثلاثين من عمره. يطلب شاياً ويُدخل سلك هاتفه المحمول على مقبس الكهرباء المُتاح مجاناً في المقهى. يفعل مثلنا تماماً نحن الذين نأتي لنُبقي هواتفنا على قيد الحياة. ينال الهاتف مكانة خاصة في الحروب ويدخل في دائرة الأشياء الحاسمة في مسألة تطمين الأقارب الذين يقيمون في البعيد. كلما بقي الهاتف شغالاً فهذا يعني أن صاحبه ما يزال على قيد الحياة. 
ذلك الشابّ من جنوب اليمن ويقيم في صنعاء. سأعرف هذا بعد الدخول في كلام معه. كلام بدون أسئلة كما يفعل النّاس هنا. قبيحة هي الحوارات التي تبدأ على هيئة أسئلة تحيل القعدة إلى شكل تحقيق أمني. لا أحب الدخول في حوارات بشكل عام وأبقى مشغولاً بنفسي إلى وقت ينتهي شحن بطاريتيّ هاتفي المحمول والحاسوب وأعود إلى البيت.
أنا حاورته لانتباهي أن تلفونه لا يرن أبداً. لم يرن ولا مرة واحدة طوال فترة الشهرين الماضيين وقد اعتدت على ملاقاته في المقهى. كل الذين في المكان ترّن هواتفهم مرة أو مرتين ويلقون اتصالات من هنا وهناك ماعداه، هذا الشابّ الجنوبي. 
سيقول لي أنه بلا عائلة وأن له أخ وحيد وكان يقيم في عدن. بقي هناك للدفاع عن المدينة أمام اجتياح جماعة الحوثي والرئيس السابق صالح لها. في الأيّام الأولى للمعارك هناك سَمع أن شقيقه ارتفع شهيداً برصاص قنّاصة. ومن يومها لم يسمع صوته يأتي إلى الهاتف. هكذا قال لي وهو يطلب كأس شاي ثالث. 
يسكت قليلاً ليضيف: لكنّي أنتظر صوته كل ليلة، لعلّه يتصلّ.