الاثنين، 29 أغسطس 2016

the act of killing


عن أولئك الذين بنوا مجدهم الشخصي وثرواتهم من دماء الأبرياء وقد أتى وقت البوح والاعتراف. لا عقاب واحد يقع عليهم في الفيلم ولا مشاهد قتل حقيقية . مجرد بوح يقومون به أمام كاميرا المخرج جوشوا أوبنهايمر الذي قال عنهم " إنهم يشعرون بالفخر بما فعلوه" حين كانوا يقومون بإعادة تمثيل الأساليب التي كانوا يخترعونها وهم يقومون بقتل الشيوعيين في أندنوسيا خلال الأعوام التالية ل 1965. وفي مشهد واحد تذكّرت زعيم الإخوان المسلمين في اليمن ( يقيم الآن في تركيا بعد تركه للسعوديّة ) وهو يتوقف عن تعذيب وقتل شباب اليسار أيّام كان واحداً من جبابرة الجهاز الأمني في اليمن الشمالي. يتوقف عن تعذيبهم في اللحظة التي يؤذن فيها للصلاة. يرمي بعصاه من يده ويذهب وهو مؤمن بجلالة العمل الذي يؤديه مرضاة لوجه الله. حين سألت أحد الذين تعذبوا على يديه ( وهو اليوم محام كبير رفض إجراء حوار معي ضمن ملف الإخفاء القسري الذي كانت جريدة "النداء" تقوم به ) ، قال لي كُنّا نعرفه من هذه الحركة لأنه كان الوحيد الذي حين يدخل علينا يقومون بوضع أغطية على عيوننا كي لا نرى الفاعل. "كُنّا في ذلك الوقت نتمنى لو طال أذآن الصلاة واستمر إلى الأبد". 
اللقطة نفسها تظهر في هذا الفيلم. حين يرتفع صوت الأذان في المدينة يتوقف التعذيب مؤقتاً ليُستكمل في وقت لاحق. وهو تعذيب إجرائي لا غير حيث وقد صدر الحكم بالقتل. يحققون معهم فقط كي تقع أيديهم على أسماء شيوعية أخرى لتضاف إلى القائمة التي ضمّت نحو مليون شيوعي تمّ التخلّص منهم في سبيل حماية الدين والوطن.
من نقطة فشل الانقلاب ضد سوهارتوا والدعم الذي لقيه من أميركا ومخابراتها لتتمّ عملية استباحة دماء الشيوعيين الذي لم يسأل عنهم أحد وإلى اليوم ولم تُفتح ملّفات ما حصل. في حين ينتظر أولادهم وأحفادهم هذا وهم يريدون الانتقام لكنهم لا يستطيعون.
وطوال الفيلم نرى لأنور كونغو وهو واحد من أبرز الذين قاموا بتلك الكمّية الرهيبة من القتل ( قتل نحو ألف ضحية بيديه ) . يعيد تمثيل أفعاله ليقول في النهاية حين قام بأداء دور أحد الضحايا: كيف فعلت كل هذا!
ولا يُقدّم هذا الفيلم الذي نال جوائز عديدة وتمّ احتياره مؤخراً ضمن قائمة أفضل مائة فيلم خلال القرن الحالي، لا يُقدّم مشاهد وثائقية مطلقا بل يعتمد على قدرة أبطاله الحقيقيين في إعادة تمثيل ما قاموا به مع ضحكاتهم. لكن لا يستمر الضحك إلى النهاية حيث يقف أنور مع نفسه وهو يعاود الدخول إلى أحد المواقع التي كانت مسرحاً لعمليات قتل كثيرة، يعيد الحكاية والتفاصيل ويستمر لكنّه يتقيء في نهاية الأمر وتنزل دموع من عينيه.
يبدو الفيلم هنا وكأنه فرصة كي يتشافى القاتل من أوجاعه الأبدية. وهو يقول " استعنت بالموسيقى والرقص والكحول كي أجد طريقاً للنسيان".
ومع كل القسوة التي ظهرت في هذا العمل الجبّار إلا أن ما يلفت أكثر، للفكرة، تلك الإمكانية التي صارت متاحة لقول كل شيء ولو كان مرور الأمر دون عقاب فهذه قضايا لا تسقط بالتقادم ويبقى أن ينتظر ، نحن على وجه الخصوص، اللحظة التي سيقرر فيها كل القتلة وزعيم الإخوان على وجه الخصوص واستعادة لمشهد الآذان إياه، اللحظة التي سيقررون فيها قول كل شيء والاعتراف. هناك كثير من أهالي ضحايا يمنيين ينتظرون بفارغ صبر حلول تلك اللحظة التي ومن بعدها سيجدون فرصة للنوم بهدوء وقد اعترف القاتل بما فعلت يداه.