الأربعاء، 22 أكتوبر 2014

الرسول بشعره الطويل ..


قلتُ سأأخذ أنسي الحاج معي عندما أخبرتني الصديقة النبيلة باسنت في الفضائية المصرية أنهم خصصوا حلقة ثقافية كاملة وسيكون معنا الصديق الصحافي سيّد محمود، وتُبث الحلقة مباشرة على الهواء للحديث عن رحيل هذا الشاعر الفريد. أعماله الكاملة التي طبعتها مِصر. وكنت امتلكتها من معرض القاهرة للكتاب قبيل وفاته بأيّام.  أسرتنيّ فكرة أن يرى ملايين لصورة أنسي الحاج وأعماله مباشرة على الهواء من على الشاشة التي سأظهر عليها. قلت هذا شاعر بذل حياته للناس فليروا ماذا صنع لهم. 
وكانت،إلى هذا فرصة للحديث عن أنسي البشري النادر والكبير والخطوات التي سبقت طباعة أعماله هذه في القاهرة. حكى لي الشاعر المصري عبد المنعم رمضان والذي كان واقفاً كحلقة وصل بين أنسي الحاج وبين "هيئة قصور الثقافة" المصرية التي أنجزت العمل. قالرمضان بأن أنسي رفض استلام جنيه واحد مقابل طباعة الأعمال واشترط فقط أن يكون الحرص شديداً في مسألة تضبيط الحروف فلا تظهر بأخطاء تعمل على تشويهها.
فكان أن تم تصوير النصوص كاملة وإعادة طبعها كما أرسلها أنسي الحاج وعليه ظهرت سليمة. لكنّ ظهرت إشكالية بعد الطبع أدت لمصادرة الأعمال بتهمّة "مس النصوص للذات الإلهية". تمّ تجاوز الأمر لتظهر في معرض الكتاب الأخير. 
أستجّر هذه الواقعة وأنا أقوم الآن بتقليب مجموعة الكتب هذه واستحضر صاحبها مجدداً مستذكراً معها أنسي الحاج الذي كان مصرياً بشكل ما. في مقاله الاسبوعي بجريدة "الأخبار" كتب أنسي الحاج ذات مّرة مقالاً وأهداه لعبد المنعم رمضان،جاء فيه " نخاف على مصر كأنها مسقط رأسنا. كلّ عربيّ مصري. سرّ محيّر كأبي الهول. آباء هول كثيرة هنا وهناك وما من أبي هول أجمل وأهْيَبْ من هذا الحارس. أَنهارٌ تملأ المسكونة وما من نهر يُدَفِّق القوّة والحنان مثل النيل. اسمه نشيد. كان الإنسان عظيماً في مصر بدون شهرة. لا الملوك ولا الملكات ولا الكهنة ولا السَحَرة وحدهم بل الإنسان العادي. حتّى لو كان معمّرو الأهرامات عبيداً فقد كانوا عبيداً عظماء. ظِلُّ مصر شامخ أبداً. نخاف على مصر كما يخاف الابن على أبويه والأبوان على طفلهما...أحد أسرار مصر هذا الجَمْع بين عتْق الدهور ورونق الصباح. أيّاً يكن حكّامها تظلّ مصر حاكمتهم ومهما نكّل الدهر بشعبها يظلّ شعبها محسوداً على بَرَكاتٍ تُرى ولا تُرى. شعبُ الطيبة والفرح والإيقاع والموهبة. لو كانت السعادة تُقسَّط بحسب الكفاءة لما استحقّ السعادة شعبٌ أكثر من المصريّين... نخاف على مصر ولا نخاف. شعبٌ مسوَّرٌ بحبِّ الشعوب لا يُغْلَب. شعبٌ تسري في عروقه دماءُ أعظم الحضارات لا يُغْلَب. كلّ نهاية، حتّى الموت، هي في مصر بداية".
...
ولماذا أستعيد هذه المناسبة اليوم! هكذا أو ربما لأن أنسي الحاج لا يحتاج مناسبة ليستعيد تذكيراً به وهو الذي نجح في انتصاره على مسألة الفناء التي تنجح فقط في حجب الناس العاديين.