السبت، 11 أكتوبر 2014

حروب العنصرية اليمنيّة


ما بين عنصرية الحوثي والعنصرية المضادة.
هناك نقطة كبيرة فاصلة بين الكتابة الساخرة المُتَرفِعة وبين كتابة تمتهن استخدام الشتائم والتقاط مفردات العنصرية وتوابعها الرّثة واحتقار الأخرين والانتقاص من كرامتهم البشرية.
لقد وقعت ثورة الشباب اليمنيّ في موجة "الربيع العربي" في أول سقوط أخلاقي لها عندما بدأت عناصر من جماعة الإخوان المسلمين استخدام لقب الرئيس السابق علي عبد الله صالح (" عفّاش" وهو اللقب الذي كان يُخفيه عن الناس) ، استخدامه من جهتهم كشتيمة واحتقار لأصله الاجتماعي البسيط. تبدو خسارة أي قضية عادلة سهلة أمراً سهلاً عندما يقوم أصحابها باستخدام أدوات قذرة ولغة سافلة وسلوكاً خطابياً منحطاً في مهاجمة وانتقاد خصومهم.
انتشرت، بعد الأيّام التالية لاجتياح جماعة الحوثي مدينة صنعاء صورة على الفايسبوك لمقاتل من الجماعة وهو عجوز يبدو في حالة رّثة ويحمل بندقية قديمة وهو الظاهر هنا في الصورة وتناوبت تعليقات لا حصر لها النيل منه ومن هيئته وهو يقوم بتنظيم حركة المرور بعد أن اختفى أمن العاصمة.
تناست تلك التعليقات الوضع الذي صارت إليه صنعاء وتفرغت للنيل من هيئة العجوز والتحقير منه. وكأن أصحاب التعليقات قد قدموا من جامعات السويد والسربون وكولمبيا الأميركية ويتحدثون لغات العالم. تناسوا الاعتداءات الحوثية على الحياة المدنية القليلة التي كانوا يمتلكونها وصارت مهمتهم تبادل النكات حول ذلك الكائن الحوثي القادم من كوكب آخر. وعلى قدر ما تظهره هذه التعليقات من مؤشر على عدم إحساس هؤلاء بفداحة التبعات الناتجة من اجتياح الحوثي لحياتهم بقدر ما أظهرت ممارستهم لذات المنطق الاستعلائي الظاهر في خطاب جماعة السيّد (رضوان الله عليه!).
إن استخدام نفس طريقة المعتدي ولغته يجعلنا، دون أن ندري ندخل في منطقة الاعتداء نفسها وربما نرتكب أقبح ما تمّ ارتكابه في حقنا. الا ينبغي التعامل مع ذلك العنصر باعتباره قادم طارئ جاء نتيجة للعبة سياسية ستنتهي طال الوقت أم قصر وسيعود إلى مقره الأول على المساحة اليمنيّة التي جاء منها. ألا يمكن فعل نظرة إلى سيرة التاريخ والتأمل في محاولات أجداد الحوثي السابقة مع صنعاء ومتتاليات الفشل التي كانت لهم معها! لماذا النزول إلى مساحة لا يمكن لشيء أن يحذفها من سيرة نفس ذلك التاريخ عبر التورط في إهانة الآخرين والنيل من كرامتهم الإنسانيّة!
عندما يسمع ذلك المقاتل الحوثي تلك الاهانات التي تقال في حقه فلن يكون هذا بسيطاً. لقد عانت جماعة الحوثي من حروب كثيرة شنّتها الدولة السابقة عليها وهي اليوم كما لو أنها أتت لتحصيل حقها في الانتقام. إعادة إنتاج الاهانات ضد عناصرها لن يفعل سوى إطالة أمد الصراع وتعميقه ووضعه في حركة لانهائية لا يمكن حصر مداها وإلى أين ستنتهي بالطرفين.
قد ينبغي هنا استعادة ما دّونه أمين معلوف في كتابه الهامّ "الهويات القاتلة" حيث أشار إلى " إن هذه الجروح هي التي تحدد في كل مرحلة من مراحل الحياة موقف البشر تجاه انتماءاتهم، والتراتبية ما بينها. عندما يُضطهد المرء بسبب ديانته وعندما يتعرض للإهانة أو السخرية بسبب بشرته أو لهجته أو ثيابه المرقعة فهو لن ينسى ذلك ".

وينطبق الحال على الطرفين. 

الأحد، 5 أكتوبر 2014

إلى أين تذهب جماعة الحوثي !

صنعاء- جمال جبران
اتهم مصدر في الرئاسة اليمنيّة جماعة الحوثي بعرقلة تعيين  رئيس جديد للوزراء في حين نفى الحوثيون هذا الأمر. وكان الاختيار قد استقر بين ثلاثة أسماء بعد رفض الدكتور محمّد مطهر القبول بتعيينه. والاسماء هيّ :أحمد لقمان،الذي يعمل مديراً حالياً لمنظمة العمل العربية وأحمد بن همّام محافظ البنك المركزي الحالي والوزير السابق يحيى العرشي. وأرجع ذلك المصدر مسألة العرقلة التي يفعلها الحوثيون لهذا التعيين بأنهم يريدون مواصلة سيطرتهم على العاصمة صنعاء حيث يلزمهم أمر تعيين رئيس وزراء جديد وعناصرهم إخلاء المدينة بحسب الاتفاق الذي وقعوه في وقت ساق من الشهر الفائت.
هذا في حين ما يزال الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي يصرّ في أحاديثه المتتالية على نظرية المؤامرة والخيانة التي تعرّض لها وسمحت باجتياح جماعة أنصار الله للعاصمة صنعاء. إنه يقول هذا مع استمرار تعامله القانوني مع الجماعة والتوقيع معها على اتفاقات سلام وتطبيع الحياة في اليمن من دون اتخاذه أو إعلانه لأيّ إجراءات عقابية، بحسب سلطته والشرعية الدستورية التي يملكها في حق الجهات أو الأفراد الذي شاركوا في تلك المؤامرة.
من جهتها تقوم قيادة جماعة أنصار الله بالتعامل على نحو عملي ينعكس على الأرض بحسب النتائج التي صارت في يدها. لقد صارت صنعاء في يدها ومن قبلها مدينة عمران (شمال صنعاء)، ومن قبلها مدينة حجة المجاورة لمدينة صعدة، المقر الرئيسي لجماعة أنصار الله. لكن يبدو أن الوضع تغيّر بعد بسط الجماعة يدها على صنعاء التي أصبحت مركزاً لقيادتهم الميدانية عن طريق تواجد أبو علي الحاكم وهو القائد الميداني للجماعة وظهر إعلامياً صباح الأحد بداخل مقرّ الفرقة أولى مدّرع التي كانت من أوائل المواقع العسكرية الهامة التي سقطت في أيديهم وكان لها أكثر من رسالة. أولها يكمن في مسألة الثأر القديمة مع قائد الفرقة نفسها علي محسن الأحمر الذي كان بمثابة رأس الحربة في مجموع الحروب الستة التي شنّها نظام علي عبد الله صالح ضد جماعة الحوثي. وثاني الرسائل كون الفرقة تحوّلت لحالة رمزية للتجمع اليمني للإصلاح (إخوان اليمن) وعملية السيطرة عليه تقول وبشكل عملي بأن النظام القديم انتهى وصارت الآن صفحة جديدة في الحياة السياسية اليمنية.
وعلى هذه الصورة ظهرت صنعاء كفاتحة لجولات أخرى مكتوبة على جدول أعمال جماعة أنصار الله ومن بعدها يكون البدء في المرحلة الثانيّة وما يليها من حركات سيطرة على مناطق أخرى. فمن الناحية العملية ومن وقت مبكر كانت معارك الجماعة مستمرة في مناطق مأرب والجوف وهي التي تقيم الآن تحت سيطرتهم وظهر ذلك في حالات الضبط التي تمّت لأماكن انتاج النفط والشركات العاملة هناك وكذلك السيطرة على نقاط الامداد الكهربائي وهو ماظهر واضحاً في عودة التيّار إلى غالبية المدن اليمنية ولو بشكل غير مطابق لما كان في السابق. كذلك يبدو نجاح عناصر أنصار الله في تنظيف المنطقة من العناصر المسلحة التي كانت تابعة للتجمع اليمني للإصلاح والقبائل المنضوية تحت رايتها. وقد يُفسر هذا بشكل تابع لحالات الانسحاب التي قررتها قيادة الاخوان المسلمين عندما أعطت أوامرها لعناصرها أو اللجان الشعبية الانسحاب من العاصمة صنعاء وهو ما أدى لعدم حصول مواجهات كان قد تم الاعداد لها مسبقاً.
إلى هذا تظهر مدينة البيضاء نقطة التوجه التالية التي قد تم التمهيد لها وتم إيرادها في خطاب النصر الذي ألقاه زعيم أنصار الله عبد الملك الحوثي مساء الثاني والعشرين من سبتمبر الفائت وقام بتعليل ذلك بأن المعركة القادمة ستكون في مواجهة عناصر تنظيم القاعدة المتواجدين هناك والذين كان من المقرر في خطة اللواء علي محسن الأحمر تسليم معدّات الجيش والمعسكرات المتواجدة هناك لعناصر التنظيم في حال سقوط صنعاء في ايدي جماعة أنصار الله لكنّ يبدو هذا أمراً غير مؤكداً بالنظر لانسحاب علي محسن نفسه من الخارطة العسكرية وفقدانه لأدوات سيطرة خسرها إثر حركة التسارع التي سارت عليها عملية سيطرة أنصار الله على الوضع. على هذه تبدو عملية انتقال أنصار الله لمدينة البيضاء مسألة وقت لا غير وقد تم الإعلان عنها رسمياً عبر عبد الملك الحوثي ولكن هذا أمر يحتاج لتجهيزات لوجستية تفرضها صعوبة عملية خوض معركة جديدة في مواجهة عناصر تنظيم القاعدة المتمركزين هناك من وقت طويل ولهم خبرة عملية واسعة في جغرافية المنطقة التي ستكون جديدة وغريبة بشكل واضح لجماعة أنصار الله الخبيرين بمنطقة شمال الشمال والمحيطة بمدينة صعدة وصولاً لحدود منطقة صنعاء.

وعليه يبدو الانتقال لمدينة الحديدة الساحلية والميناء اليمني الثانيّ لليمن بعد ميناء عدن هو الأكثر قرباً لمعركة جماعة أنصار الله القادمة بحسب الأنباء القادمة من هناك وقيام قيادة الجماعة بافتتاح أكثر من مقر لها في المدينة. هذا إضافة لسمة المسالمة المعروفة على أهل هذه المنطقة الذين لا ينزعون لاستخدام العنف في مواجهة أي قادم جديد إليهم. وفوق كل هذا تبدو الحديدة كهدف كبير وأساسيّ لما أعلنته قيادة جماعة أنصار الله الساعين للحصول على منفذ بحريّ لهم على الخارطة اليمنيّة وهو الأمر الذي طرحوه في السابق وبشكل علني أثناء جولات التفاوض التي كانت بينهم وبين لجان الوساطة التي كان يبعثها إليهم الرئيس هادي قبل اجتياح صنعاء.