الاثنين، 1 سبتمبر 2014

دموع لا يراها أحد



أنهيت شغلي وقلت سأعود إلى البيت. أوقفت تاكسي وانطلقنا مع الريح. لحظات وانتبهت للسائق يبكي. وحياة الله كان ذلك السائق الشابّ يبكي دموعاً وتنزل على خدوده .ليس وصفاً مجازياً هنا. وكان يبكي بصمت. قلت لنفسي لاحول ولاقوة إلّا بالله. هذا ما كان ينقصني في نهاية هذا اليوم الحوثي المزدحم. وبعد محاولات حكى ليَّ الشابّ قصته: خمسة أعوام تقريباً وهو مهاجر في مملكة العبيد السعودية.ذهبَ من أجل المال والعودة للزواج من قريبته التي ارتبط بها منذ طفولته.لقد وعدوه بذلك كما وخطبوها له منذ زمن. اشتغل في أرض الحرام السعودية مثل حمار ولم يترك شيئاً إلا واشتغل فيه حارماً نفسه من كل نزوة أو شهوة. وعندما عاد قبل شهر وجد أنهم قد قاموا بتزويج خطيبته. هو الفقر و لايرحم الناس ويدفعهم لفعل أيّ شيء. طبعاً القصة مؤثرة لكنّها الحياة الوسخة وماذا نفعل معها. طبعاً أنا استمعت صامتاً ولم أقاطعه بكلمة. لكنّ لم أجد من الجائز بقائي على سكوتي وعدم تفاعلي ولو بكلمة أو كلمات مواساة علّها تقوم بالتخفيف عليه. قلت له: هيّ الحياة الوغدة وسوف تنسى حتماً، كل شيء قابل للنسيان. قال :"مستحيل فقد كانت كل حياتي".
قلت له مازحاً: يا حمار، أنا كنت حمار مثلك في سنة أولى جامعة وكنت أعشق فتاة وكنت أقول بأني سوف أموت لو لم أتزوجها. لكنّي اكتشفت بعد شهر بأنّي كنت الزبون رقم 1754 في قائمة الأشخاص الذين تَعَرّفت عليهم. وطبعاً أنا مرضت وكنت سأموت فعلاً لكنّ الغريب بأنها كانت عاملة علاقة مع أعزّ أصدقائي الذي كانت تتعمّد بأن تصفه بأنه أخوها. ذكّرتني بنجلاء فتحي ومحمود ياسين في فيلم "أختي". وبعدها حاولتُ أنا الانتحار وفشلت،وبعدها سافرت السعودية وعملت علاقة مع زوجة صاحب  المطعم اللي كنت اشتغل فيه واكتشفوني ونجحت في الهرب بمساعدة من خبير باكستاني في التهريب. وبعدها هاجرت سلطنة عمان واشتغلت في محل بخور ورجعت اليمن وفشلت في اكمال دراستي لكنّ نجحت في مهنة الصحافة واشتغلت صحافي مرتزق مع الزعيم السابق وبعد سقوطه اشتغلت مع الزعيم الحالي،صحافي مرتزق كمان، والآن أبحث عن شغل كصحفي مرتزق مع الزعيم الحوثي على اعتبار بأن المستقبل في اليمن سيكون للحوثي والقطيع اللي معاه.
طول فترة الحكي وذلك الشابّ الأنيق سائق التاكسي يستمع بإنصات للفيلم الذي أقوم بحكايته. وقد توقفت دموعه عن النزول. ابتسم وقال ليّ: الله يعينك على هذه الحياة. وابتسمنا. ربما تكون الابتسامة الأخيرة لنا في أيّامنا القادمة، حيث تبدو سوداء ولن ترحم أحداً من عشّاق الحياة.