الأربعاء، 23 مارس 2016

لقطة إباحية ..




علّمونا في دروس الترجمة بالجامعة أن الترجمة أمانة لكن هذا لا يتعارض في سياقه الأدبي مع بقاء المُترجم على هيئة الخائن الدائم للنّص الذي بين يديه. لكنهم لم يقولوا لنا أن على المُترجم أن يكون أخلاقياً وحسن السيرة والسلوك ،محافظاً على الصلوات الخمس وعلى الحياء العام حريصاً على عدم خدشه. لقد وجدت البارحة واحداً من هؤلاء ويبدو أنه لم يدخل في حسابات أهل الترجمة وعلومها. 

لقد وجدته وأنا في متابعتي البارحة للفيلم السويدي الدانماركي "صيد" للمخرج توماس فيتنبرغ وحصل بطله على سعفة مهرجان كان السينمائي 2012 لأحسن ممثل.

فبعد  دقائق قليلة من بداية الفيلم وجدت ترجمة مكتوبة على الشريط تقول "تحذير:لقطة إباحية لن أترجمها". هكذا كتب المترجم العبارة وتركنا لوحدنا أمام اللقطات الإباحية التالية لعبارته. وطلع الرجل أميناً فعلاً وأخلاقياً.لقد أقسم بأنه "لن أترجمها" وأوفى بقسمه.  

ما أن بدأت اللقطات حتى توقفت الترجمة. لكن في عادة مثل هذه المشاهد أنها تأتي بلا كلام، يكتفي المخرج بالفعل الذي يقوم بتصويره ولايكون محتاجاً لكلام. مجرد آهات والآهات لغة عالمية يفهمها الجميع. كما أن المشاهد "الإباحية" هي اللغة الوحيدة التي لا تحتاج إلى ترجمة، إنها تترجم حالها ولاتعوز وسيطاً بينها وبين مشاهدها.

لكن يبقى السؤال: كيف عرف الأخ المترجم ببداية اللقطات الاباحية تلك وكيف أدرك نهايتها ليعود إلى الترجمة! هل رمى بوجهه إلى الناحية الأخرى منتظراً نهاية المشهد معتمداً على صوت الآهات المرافقة للعملية الإباحية وعاد بعدها ليكمل ترجمته! 

مع ذلك هناك مشاهد إباحية تحصل بلاصوت وعلى وجه الخصوص في أوساط الجماعات المُحافظة التي تخجل نسوانها من رفع أصواتهن فيقال عنهن بأنهن بلاحياء. وعليه: كيف أدرك أخونا المترجم أن العملية انتهت وصارت عودته لشغل الترجمة  لازمة! 

ربما استعان بصديق صعلوك لايقيم للأخلاق وزناً وتركه ليشاهد الإباحية بدلاً منه. ربما أتى بزوجته وقال لها تابعي المشهد إلى أن ينتهي وأخبريني كي أعود لشغلي!

لكن كمان، لو كان أخونا المترجم غارقاً في الأخلاق إلى هذا الحد فلماذا لم يقص المشهد من الأساس وأن يكتب عبارة تقول: لقد حذفنا على المشاهد مشهداً إباحياً حماية للأخلّاق والحياء لكن الحذف لايؤثر في سياق الأحداث!

لماذا يجعل من نفسه إضحوكة ومسخرة أمام المنحلّين أخلاقياً من أمثالنا وهو يكتب تلك العبارة العجيبة التي لاتتناسب أبداً مع طبيعة السينما الجميلة.

مع ذلك فالموقف في مجمله يشير إلى مرحلة جديدة في تاريخ ترجمة الأفلام في العالم العربي، لقد انتهينا من مرحلة المترجم الكاذب الذي يقوم بترجمة "فاك يو" إلى "تباً لك" لنصل مرحلة المترجم المؤمن الحريص على تنبيه جماعة المشاهدين بالمشاهد الإباحية القادمة وهو واثق من شدة إيمانهم. 

وأنت وضميرك يا أخي المشاهد،يعني أنت وإيمانك، يا تشوف ما يُخالف شرع ربّنا أو تحترم نفسك وتنتظر مرور تلك الإباحية لحال سبيلها لتعود لمتابعة ماتبقى منه وأنت مرتاح البال وقد ضمنت إرضاء الخالق وكسبت الجنة.