ما بين عنصرية
الحوثي والعنصرية المضادة.
هناك نقطة كبيرة فاصلة
بين الكتابة الساخرة المُتَرفِعة وبين كتابة تمتهن استخدام الشتائم والتقاط مفردات
العنصرية وتوابعها الرّثة واحتقار الأخرين والانتقاص من كرامتهم البشرية.
لقد وقعت ثورة
الشباب اليمنيّ في موجة "الربيع العربي" في أول سقوط أخلاقي لها عندما بدأت
عناصر من جماعة الإخوان المسلمين استخدام لقب الرئيس السابق علي عبد الله صالح ("
عفّاش" وهو اللقب الذي كان يُخفيه عن الناس) ، استخدامه من جهتهم كشتيمة
واحتقار لأصله الاجتماعي البسيط. تبدو خسارة أي قضية عادلة سهلة أمراً سهلاً عندما
يقوم أصحابها باستخدام أدوات قذرة ولغة سافلة وسلوكاً خطابياً منحطاً في مهاجمة
وانتقاد خصومهم.
انتشرت، بعد
الأيّام التالية لاجتياح جماعة الحوثي مدينة صنعاء صورة على الفايسبوك لمقاتل من
الجماعة وهو عجوز يبدو في حالة رّثة ويحمل بندقية قديمة وهو الظاهر هنا في الصورة
وتناوبت تعليقات لا حصر لها النيل منه ومن هيئته وهو يقوم بتنظيم حركة المرور بعد
أن اختفى أمن العاصمة.
تناست تلك
التعليقات الوضع الذي صارت إليه صنعاء وتفرغت للنيل من هيئة العجوز والتحقير منه.
وكأن أصحاب التعليقات قد قدموا من جامعات السويد والسربون وكولمبيا الأميركية
ويتحدثون لغات العالم. تناسوا الاعتداءات الحوثية على الحياة المدنية القليلة التي
كانوا يمتلكونها وصارت مهمتهم تبادل النكات حول ذلك الكائن الحوثي القادم من كوكب
آخر. وعلى قدر ما تظهره هذه التعليقات من مؤشر على عدم إحساس هؤلاء بفداحة التبعات
الناتجة من اجتياح الحوثي لحياتهم بقدر ما أظهرت ممارستهم لذات المنطق الاستعلائي
الظاهر في خطاب جماعة السيّد (رضوان الله عليه!).
إن استخدام نفس
طريقة المعتدي ولغته يجعلنا، دون أن ندري ندخل في منطقة الاعتداء نفسها وربما
نرتكب أقبح ما تمّ ارتكابه في حقنا. الا ينبغي التعامل مع ذلك العنصر باعتباره
قادم طارئ جاء نتيجة للعبة سياسية ستنتهي طال الوقت أم قصر وسيعود إلى مقره الأول
على المساحة اليمنيّة التي جاء منها. ألا يمكن فعل نظرة إلى سيرة التاريخ والتأمل
في محاولات أجداد الحوثي السابقة مع صنعاء ومتتاليات الفشل التي كانت لهم معها!
لماذا النزول إلى مساحة لا يمكن لشيء أن يحذفها من سيرة نفس ذلك التاريخ عبر
التورط في إهانة الآخرين والنيل من كرامتهم الإنسانيّة!
عندما يسمع ذلك
المقاتل الحوثي تلك الاهانات التي تقال في حقه فلن يكون هذا بسيطاً. لقد عانت
جماعة الحوثي من حروب كثيرة شنّتها الدولة السابقة عليها وهي اليوم كما لو أنها
أتت لتحصيل حقها في الانتقام. إعادة إنتاج الاهانات ضد عناصرها لن يفعل سوى إطالة
أمد الصراع وتعميقه ووضعه في حركة لانهائية لا يمكن حصر مداها وإلى أين ستنتهي
بالطرفين.
قد ينبغي هنا
استعادة ما دّونه أمين معلوف في كتابه الهامّ "الهويات القاتلة" حيث
أشار إلى " إن هذه الجروح هي التي تحدد في كل مرحلة من مراحل الحياة موقف
البشر تجاه انتماءاتهم، والتراتبية ما بينها. عندما يُضطهد المرء بسبب ديانته
وعندما يتعرض للإهانة أو السخرية بسبب بشرته أو لهجته أو ثيابه المرقعة فهو لن
ينسى ذلك ".
وينطبق الحال على
الطرفين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
تعليقات