هو بكاء ذكوري بحت. كما ولطم ع الخدود. ولكن كيف يبكي الرجال؟ البكاء رديف العيب. لا يبكي الرجال في السوق، في الشارع، في الأحوال العادية ولو كان هناك ما يستحق. البكاء للمكالف والحريم. يقولون: في الموت ينقلب معنى الأشياء.
يكون العزاء فسحة للدموع كما واللطم ع الخدود. خرج الولد إلى السوق لشراء حاجيات مطبخ والدته ولم يعد، لم يصل إلى مطبخها. نصبوا له خيمة وراحوا دامعين ولاطمين بداخلها. لا نساء في الصورة. لهذا أخذ الرجال حريتهم في اللطم والبكاء. لا شيء يكسر الرجل مثل بكاءه أمام أنثى.
الكفوف على الرؤوس. في الخلف يبدو قفا رجل وبأصابع تظهر أطرافها على الرأس. رأس يبكي بكل تأكيد. ربما لم يقابل أبداً وجه الولد الذي قُتل. لكنه يبكي. ليس بالضرورة أنه يبكي على الولد الذي من أجله أقيم العزاء. هو يبكي متذكراً أفراداً من أسرته قد راحوا إلى موتهم قبلاً. العزاء فرصة لها أمر تمكيننا من البكاء بأثر رجعي على خساراتنا الفائتة.
الحياة موت معلن وممكن في أية لحظة.
موت الصدفة. السير على شارع خطأ في التوقيت الخطأ. نحن لا نملك أعمارنا، تديرها الصدفة. كيف تكون الحياة حلوة هكذا؟ لن نخرج إلى الشوارع إذن. سنقعد في بيوتنا. هي وسيلة ناجحة لازهاق روح الموت المعلن في الشوارع. لن يذهب الولد إلى السوق لشراء حاجيات مطبخ والدته. ولن يجد أفراد الأسرة شيئاً يأكلونه على مائدة طعامهم. بعد اسبوع سيموتون من الجوع. هو موت في الحالتين. إلى أين نهرب إذن؟ كيف ننجو من الموت؟
نُشرت بصحيفة "النداء " اليمنية الخميس , 2 أغسطس 2007 م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
تعليقات