(1)
يا أهلاً بهم. يا أهلاً وسهلاً.
هيَّا. نحن كرماء ونقبل زيارة الغرباء الجدد على المدينة. يأتون بأسلحتهم إلينا في
كل وقت من غير مواعيد. لكنّا نقول: يا أهلاً وسهلاً. نحن نتفهّم حالتهم ونفسياتهم.
يحملون أسلحتهم وهم سائرون في أيّامهم ولياليهم لأن لديهم ثآرات كثيرة. يمشون بالسلاح
حتى وهم يحتفلون بأعراس أبنائهم وبناتهم. يخافون حتى وهم في وسط فرحة أبنائهم. لكن
لا يخاف من الثأر إلّا قاتل. قاتل قد فعل كثيراً من القتل في حياته وهو يخاف في كل
لحظة.
يأتي الموت عادة من الخلف. يأتي من الزاوية
التي لا تتوقعها الضحية. أذكر قصة للروائي الأثيوبي/ اليمني محمد عبدالولي يقول في
نهايتها «إن الرصاص كان يأتي من الخلف». أعتقدها قصة «الأطفال يشيبون عند الفجر». إن
لم تخنِ الذاكرة. تلك القصة التي كانت مقررة علينا في صفوفنا الدراسية الأولى قبل الدخول
إلى الجامعة. هم أولئك الأطفال الذين كانوا يذهبون إلى الجبال للدفاع عن الثورة. أقصد
الثورة الأولى ضد الحكم الإمامي وليس ضد الثورة الثانية التي قامت وخلعت الزميل علي
عبدالله صالح. هي فكرة مؤلمة. فكرة الموت العلني، ونحكي هنا عن فكرة تتجاوزها اليوم
بشدّة. فكرة تملك شوكاً في أظافرها وتأكل فينا. تأكل حياة الناس العاديين الذين
نحن منهم. لكن من يرى!
فكرة قاتلة وتمشي فوق حياة الناس. حياتنا نحن الفقراء
على وجه الخصوص.نحن الذين لا نمتلك أسلحة في بيوتنا أو في جيوبنا لنحملها معنا عندما
نخرج إلى شوارع الله كي نرى جمال البلاد التي نعتبرها بلادنا.
السؤال: لماذا فعلنا ثورة جديدة إذاً؟
ألكي يأتي لحكمنا نفرُ من الرعاع الجدد ويركبون عربات مدّرعة ويأخذون مصاريفهم اليومية
من السعودية، الشقيقة الكبرى! هل ضحّى شباب الثورة بحياتهم كي يأتي هؤلاء الهمج الجدد
كي يقتلوا ماتبقى من شبابنا! في نهاية يوم فائت وقد ذهبت جريدتنا إلى المطبعة وصلنا
خبر مقتل الشابيّن حسن جعفر أمان وخالد الخطيب، على يد مرافقين تابعين للشيخ الإصلاحي
الأصولي علي عبد ربه العواضي. صابت قلوبنا فجيعة وتفاصيل الدماء التي سالت في
شوارع صنعاء قطرة قطرة تصلنا قليلاً قليلاً. بهدوء مرعب. كيف تمّ القتل. وكيف تمّ الاجهاز
على حياة الشابيّن. كيف كان الشاب الثالث (الناجي) الذي كان معهم في السيّارة يصيح
وينادي القتلة بأن لا يقتلوا حسن وخالد. كان يصيح بصوت لم نسمعه. كأننا اعتدنا على
الموت المجاني السهل. كأننا اعتدنا التعايش مع القتلة وصار كل واحد منّا بانتظار موعد
قتله القادم. وهناك ما هو أبشع؛ الشيخ العواضي قال إن مرافقيه قاموا بتصويب الرصاص
على الشابين لأنهم فحّطوا(تدوير) بالسيارة (التفحيط صار جريمة تستحق القتل عند آل العواضي).
تبرير آخر: قال: إن الشابيّن المقتوليّن مرّا بجوار سيّارة العروسة. يا رب العالمين
أنقذنا! تعال لو سمحت! كأن أهل اليمن يذهبون في مواكب أعراس بناتهم وهنّ عرايا ولسن
مغطيات من تحتهن إلى فوقهن! يعني ماذا لو تجاوز الأمر تعدٍ للموكب الكريم. ماذا كان
سيحصل؟ ماذا كانوا سيرون؟ وفوق هذا وذاك. قال بيان الشيخ الديني صاحب اللحية التي تكنس
بلدا بأكمله. قال: نحن معانا ثارات وخفنا أن يكون موكب الشباب من أصحاب الثارات ضدنا
ويريدون بنا شراً. بالمعنى البسيط هنا. يعترف الشيخ أن له ثأرات. أنه عليه دم لرقاب
قبائل أخرى والعكس. لكن ما ذنب أولئك الشباب الذي كان واحد منهما ذاهب في اليوم التالي
إلى ألمانيا للدراسة بحسب منحة أخذها بسبب مجموعه العلمي الباهر الذي حصّله. كان سيذهب
للدراسة وهاهو يذهب إلى الموت. سالت دماؤه في الشوارع وسيارات النجدة تنظر وتراقب عن
بعد مثلما كاميرا خفيّة. هل صارت حياتنا، بعد الثورة، حياة كاميرا خفيّة؟ هل صرنا موتى
مفترضين. موتى معلنين. يبدو أنه صار «يوميات الموت المعلن». ولا أحد يتدخل وحده الشيخ
المثقف ياسر العواضي «مردوخ الصحافة اليمنية». بحسب تسمية الرئيس السابق علي عبدالله
صالح له. وحده الشيخ المثقف ياسر من سوف يتدخل بفرض تحكيم يقوم بتقديم كم مليون وكم
بندق وكم سيّارة وكم قرف. كي يتنازل أهالي الشهداء عن القضية. الأهالي رفضوها سنرى
إلى أين سنمضي مع هؤلاء القتلة الجدد. صباح الخميس كان هناك مسيرة مع الشهداء.
(2)
من صباح اليوم سأحمل سلاحاً، أدافع به عن نفسي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
تعليقات