‏إظهار الرسائل ذات التسميات حياة الألم. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات حياة الألم. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 10 يناير 2018

نبقى أو ... نموت معاً

حكيت هاتفياً مع أمي زمزم في صنعاء لأكثر من ساعة. أول كلمة قالتها : " يا حبيبي من أمس والدنيا بوم بوم. ما تركونا ننام. القصف جوار بيتنا. النوافذ تُفتح من شدّة الضرب " . قلت لها ( وكأني بجوارها ) لا تخافي، القصف في منطقة بعيدة. كيف تحاول تطمين قلب أُمك وأنت بعيد ؟
حين كنت في صنعاء وأقرّر الخروج من البيت باحثاً عن شاحن لحاسوبي كي أكتب للجريدة، كانت تقلي لا تخرج، هناك قصف. قصدها المكان الذي سأذهب إليه. وأقول لها: يا ماما ، يا قلبي، القصف هنا وهناك. في كل مكان بس لازم أشتغل.
اليوم عرفت قصدها. لا يعنيها أن يكون القصف هنا أو هناك. المهم أن أبقى إلى جوارها. أن نحيا معاً أو نموت معاً ، بقذيفة واحدة.

الأربعاء، 19 أبريل 2017

بيروت ، تُفاحتي الأخيرة



قُلت سأخرج هذا الصباح كي أُنهي أشغالاً شاقة وكثيرة. وخرجت ، على الرغم من الجو الغائم والماطر الحزين. لأول مرة أخرج صباحاً منذ موت والدي جبران. على تلفوني تسير تحفة بليغ حمدي " حاول تفتكرني". يُغنيّها عبد الحليم حافظ لكن كل شيء في الأغنية مشغول بعبقرية بليغ. موسيقاه تقول كلاماً. هو الوحيد في تاريخ الموسيقى العربية الذي فعل مزيكا بتتكلم. " ومنين نجيب الصبر يا اهل الله يداوينا.. وسافر من غير وداع ". تبقى فكرة الذين يموتون ونحن بُعاد عنهم فكرة مستحيلة التصديق . لابد من موت الأحبّة أمام أعيننا كي نُصدّق موتهم وبأنه حصل. وعليه يبقى موت بابا جبران مؤجلاً إلى الأبد بما أني لم أشاهده يموت أمام عينيّ ووجدت خبر رحيله نائماً في رسالة على تلفوني. القاتل في الأمر أيضاً أن تجد خبر وفاة أقرب الناس إلى قلبك مرسلاً عبر برقية "واتس آب". بهذه البساطة صار الموت سهلاً. 
ما علينا. 
خرجت صباحاً في المشوار الأول. إلى الجامعة اليسوعية كي أفعل قراراً له أمر تغيير حياتي، على افتراض امتلاكي لحياة قادمة. على افتراض امتلاكي لحياة من الأساس. لكن في الطريق توقفت وقلت سأذهب إلى السفارة المصرية علّهم بعثوا بتأشيرة دخولي إلى القاهرة. لكن توقفت أيضاً. لازم قبل هذا أن أروح إلى الجهة الأمنية حتى أقوم بتمديد فترة إقامتي في بيروت.  لكن تراجعت مجدداً. كان الوقت قد تأخر ولن أحصل عليها في اليوم نفسه. قلت سأذهب إلى الجريدة حتى أجدّد بطاقتي الصحافية التي انتهت قبل 3 أشهر. تذكّرت بأني لا أملك صورة للبطاقة. سأتصل إذاً بالناس في الجريدة كي أطمئن لوجود الفتاة الحلوة ، كبيرة القسم الثقافي التي عليها كل أموري في الجريدة. لكن رقمي الهاتفي خربان ولابد من رقم جديد. وكنت بحاجة لنصف ساعة كي أحصل على الرقم الهاتفي بعد أن أخذوا لي صورة وخطوات شديدة الدقة. لقد تغيّر الوضع ولم يعد من السهل الحصول على رقم هاتفي. وأخذته.
قبل أن أفعل اتصالاً اكتشفت بأن بطارية هاتفي قد نفدت. فكان قرار العودة إلى البيت.
لكن وأنا أعبر المسافة الفاصلة بين جانبي الشارع المؤدي إلى حيث أسكن سمعت شجاراً بين فتاة حلوة ، ( كل الفتيات حلوات )، وشاب أرعن يبدو أنه عاكسها بطريقة قاسية. سمعتها تقول له :" يا حيوان، يا أزعر". قالتها بنبرة تملك كل حنان العالم. تمنيت وقتها بأني الشاب المشتوم. تمنيت وقتها أن أذهب إلى الفتاة وأقول لها: " لو سمحتي اشتميني بكل قوتك، لو سمحتي قولي لي ياحيوان، لو سمحتي أنا يتيم وأحتاج لقليل من حنانك ".
 يبدو ذلك الشتم حين يخرج من فم فتاة لبنانية كأنه مديح،كأنه دلال، كأنه الحب كلّه . لا لهجة في الدنيا قادرة على تحويل الشتيمة إلى كلام حلو غير اللهجة اللبنانية حين تخرج من فم أُنثى.  
والله على ما أقول شهيد.   

السبت، 15 أكتوبر 2016

كانت تلميذة مجتهدة ..


كانت تلميذة مجتهدة. هذا واضح من صورتها الأخيرة. صورتها الأخيرة في الحياة قبل أن تموت مُختنقة. قبل أن يغمرها كُل تراب الأرض. وكانت هذه التلميذة اليمنية مجتهدة وتحب مدرستها. هذا واضح أيضاً ولا يحتاج لتوضيح وإثبات. لقد نامت بثيابها المدرسيّة كاملة خشية أن تضيّع دقائق صباحها البارد في البحث عن زيّها المدرسي. كانت حريصة على كسب تلك الدقائق الثمينة التي كانت ستضيع بحثاً في دولاب ملابسها. كما يظهر حجاب رأسها مضبوطاً على نحو جيّد وكذلك الغطاء الذي نامت تحته ويبدو حرصها على وضعه بعيداً عن لمس حجابها كي لاتتأثر عملية ضبطها له فتحتاج دقائق أخرى صباحاً لتعيد تضبيطه. كانت تلميذة شاطرة وحريصة على كل دقيقة.
 على هذه الطريقة كان منهجها في الحياة. في حياتها القصيرة التي قصفتها طائرة سعودية اعتبرت جسدها الضئيل هدفاً حوثياً فقصفته. وكلنا صرنا أهدافاً حوثية يجوز قصفها وتسويتها بالأرض. غمرها بالتراب وقطعها عن أسباب الحياة.
هكذا ستتأخر تلك التلميذة عن طابورها المدرسي وستضيع حصتها الأولى و .. الأخيرة. لن تحضر دروساً بعد اليوم. ستنادي أستاذتها بأسماء الصف الدراسي وحين تنده باسمها لن يكون صوتها حاضراً ليردّ، ليقول : أنا حاضرة يا أستاذة.
وسيبقى مقعدها فارغاً ولن يشغله أحد. 






الجمعة، 13 مايو 2016

سيبقى كل شيء ..

السيجارة التي كُنّا نشربها معاً ، ستشربينها من اليوم لوحدكِ.
ورقة القات التي كنا نتقاسمها، ستكون من اليوم لوحدكِ أنتِ.
الكأس الذي كُنّا نرتشفه معاً ، سيكون لكِ وحدكِ.
السرير الذي... سيبقى لكِ وحدكِ. 

اللقمة التي كانت تنزل من فمك وألتقطها أنا.
الحياة التي كانت لنا معًا، 

سيكون كل هذا لكِ وحدكِ.
لقد توقفت أنا عن كل شيء.
الذكريات وحدها ستبقى معي .

الاثنين، 23 نوفمبر 2015

عدوان ..


الخطوات العالية التي تسير على وقع مرتفع للغاية تفعل عدوانها على الشارع والذي فيه. خطوات لها صوت وكأن فرقة موسيقية تعزف خلفها. مظاهرة حاشدة تفعلها فتاة واحدة وحيدة تسير على هيئة جماهير كثيرة تزدحم في شارع واحد. في المسافة الفاصلة بين السوق التجاري والمقهى الذي أذهب إليه في هذه الوقت من كل يوم. تمنيّتُ وقتها لو كُنتُ أعمى فلا أرى. 
"يا ريتني أعمي أشربِك باللمس،و لا أشمّك في بيار الأمس،قالت حتقلب جد يا مسكين، قلتلها أستاهل حدود الموت، أنا الحرامي سارق السكين". كيف للخطوات هنا أن تكون مُعطّرة! خطوات هلى هيئة قنينة عِطر وتنثر حولها وروداً! كيف تتحوّل الخطوة إلى كيان كامل وعلى هيئة ضخمة للغاية وتقدر على التهام كل شيء حولها! كأنها جيش احتلال. هل أعود إلى البيت! هل أتوقف عن الخروج ففي العُزلة نجاة من كل هذا القهرالجميل. كرهت الطريق وكاد وقع تلك الخطوات أن يصل حتفي " ويحفر الحب قلبي بالنار بالسكين وهاتف يهتف بي حذاري يا مسكين". لكن تراجعت قليلاً إلى بداية الشارع الذي بدأت فيه تلك الخطوات عدوانها. قُلت لنفسي: إنا مش ناقص عدوان إضافي،موش كفاية عدوان سعودي علينا!
واختفيت. 



الأحد، 15 مارس 2015

انتهينا وانتهى الأمر ..



قلتُ سأذهب إلى السينما في محاولة لقتل كل هذا الوقت الأسود القاتم الذي صار يحيط بحياتي، كل هذا الوقت المريض والمَخصي. هي صالة السينما المحترمة الوحيدة التي ما تزال على قيد الحياة في الوطن. لكن ومِن سوء حظي أن يكون العمل المعروض فيلماً تدور غالبية حكايته في الفضاء وتظهر مشاهده كما لو أنها مأخوذة من أخر نقطة في الدنيا. وعليه بقيت أطير طوال العَرض واشعر بأني لا أقعد على شيء. بقيت جسداً فالتاً يحاول الاهتداء لثبات ويخشى السقوط في أي لحظة. بقيت أمسك المقعد الساكن بجواري كما لو أنه طوق نجاة. سأسقط الآن، كُنت أقول لنفسي مع كل مشهد يواجهني لينتهي ويأتي آخر لأقول العبارة نفسها مجدداً. على هذا بقيت طوال الفيلم مثل ورقة ملقية في هواء ولا تجد سنداً ولا جدار. على هذا بقيت منتظراً ومعلّقاً وأنتظر نهاية.

أنا لا أقدر على هذه النوعية من الأفلام وبي رهاب من الأماكن العالية فكيف الحال والمعروض كلّه عال وقصته لعب على الفراغ ولعب على تفاصيل الرهاب الذي أقلق حياتي وما يزال يفعل. أكثر اللحظات رعباً في حياتي هي لحظات الإقلاع والهبوط في السفر. وحين انتهى الفيلم شعرتُ بنجاتي، شعرتُ بالفخ الذي خرجت منه، شعرتُ بأني نزلت أخيراً إلى الأرض ورجعت واحداً من سكّانه وأهله. وقد جعلتني نهاية الفيلم هذه كي أفعل عودة لما كان فيه والقصة التي كان يرويها. إنه فيلم عن النهايات والاحتمالات التي تنتظر حياة الكرة الأرضية وشكل ختامها. لقد كان فيلماً عن النهايات والجوع الذي سيبدأ به مشوار تلك النهايات والحرائق التي ستلّف العالم الأرضي. لقد ذهب أبطال الفيلم إلى الفضاء ليجدوا حلاً لمصير أهاليهم في الأرض. لكنّ ما شأننا نحن في اليمن بمثل هذا الفيلم وموضوعه. نحن انتهينا وخلصنا واكتملت نهايتنا ولم نعد فعلياً على وجه الأرض. من يقول بأننا ما نزال على قيد الحياة كاذب ومزوّر حقائق. نحن انتهينا وما شكل حضورنا الحالي على الأرض سوى لعبة فراغية لا معنى لها ولا تؤكد حياة حقيقية لنا. مجرد أشباح ولا أحد يرانا أو يهتمّ لأمرنا.

الثلاثاء، 5 نوفمبر 2013

عن مجموعة جديدة من القتلة


  
  (1)
يا أهلاً بهم. يا أهلاً وسهلاً. هيَّا. نحن كرماء ونقبل زيارة الغرباء الجدد على المدينة. يأتون بأسلحتهم إلينا في كل وقت من غير مواعيد. لكنّا نقول: يا أهلاً وسهلاً. نحن نتفهّم حالتهم ونفسياتهم. يحملون أسلحتهم وهم سائرون في أيّامهم ولياليهم لأن لديهم ثآرات كثيرة. يمشون بالسلاح حتى وهم يحتفلون بأعراس أبنائهم وبناتهم. يخافون حتى وهم في وسط فرحة أبنائهم. لكن لا يخاف من الثأر إلّا قاتل. قاتل قد فعل كثيراً من القتل في حياته وهو يخاف في كل لحظة.
يأتي الموت عادة من الخلف. يأتي من الزاوية التي لا تتوقعها الضحية. أذكر قصة للروائي الأثيوبي/ اليمني محمد عبدالولي يقول في نهايتها «إن الرصاص كان يأتي من الخلف». أعتقدها قصة «الأطفال يشيبون عند الفجر». إن لم تخنِ الذاكرة. تلك القصة التي كانت مقررة علينا في صفوفنا الدراسية الأولى قبل الدخول إلى الجامعة. هم أولئك الأطفال الذين كانوا يذهبون إلى الجبال للدفاع عن الثورة. أقصد الثورة الأولى ضد الحكم الإمامي وليس ضد الثورة الثانية التي قامت وخلعت الزميل علي عبدالله صالح. هي فكرة مؤلمة. فكرة الموت العلني، ونحكي هنا عن فكرة تتجاوزها اليوم بشدّة. فكرة تملك شوكاً في أظافرها وتأكل فينا. تأكل حياة الناس العاديين الذين نحن منهم. لكن من يرى!
 فكرة قاتلة وتمشي فوق حياة الناس. حياتنا نحن الفقراء على وجه الخصوص.نحن الذين لا نمتلك أسلحة في بيوتنا أو في جيوبنا لنحملها معنا عندما نخرج إلى شوارع الله كي نرى جمال البلاد التي نعتبرها بلادنا.
السؤال: لماذا فعلنا ثورة جديدة إذاً؟ ألكي يأتي لحكمنا نفرُ من الرعاع الجدد ويركبون عربات مدّرعة ويأخذون مصاريفهم اليومية من السعودية، الشقيقة الكبرى! هل ضحّى شباب الثورة بحياتهم كي يأتي هؤلاء الهمج الجدد كي يقتلوا ماتبقى من شبابنا! في نهاية يوم فائت وقد ذهبت جريدتنا إلى المطبعة وصلنا خبر مقتل الشابيّن حسن جعفر أمان وخالد الخطيب، على يد مرافقين تابعين للشيخ الإصلاحي الأصولي علي عبد ربه العواضي. صابت قلوبنا فجيعة وتفاصيل الدماء التي سالت في شوارع صنعاء قطرة قطرة تصلنا قليلاً قليلاً. بهدوء مرعب. كيف تمّ القتل. وكيف تمّ الاجهاز على حياة الشابيّن. كيف كان الشاب الثالث (الناجي) الذي كان معهم في السيّارة يصيح وينادي القتلة بأن لا يقتلوا حسن وخالد. كان يصيح بصوت لم نسمعه. كأننا اعتدنا على الموت المجاني السهل. كأننا اعتدنا التعايش مع القتلة وصار كل واحد منّا بانتظار موعد قتله القادم. وهناك ما هو أبشع؛ الشيخ العواضي قال إن مرافقيه قاموا بتصويب الرصاص على الشابين لأنهم فحّطوا(تدوير) بالسيارة (التفحيط صار جريمة تستحق القتل عند آل العواضي). تبرير آخر: قال: إن الشابيّن المقتوليّن مرّا بجوار سيّارة العروسة. يا رب العالمين أنقذنا! تعال لو سمحت! كأن أهل اليمن يذهبون في مواكب أعراس بناتهم وهنّ عرايا ولسن مغطيات من تحتهن إلى فوقهن! يعني ماذا لو تجاوز الأمر تعدٍ للموكب الكريم. ماذا كان سيحصل؟ ماذا كانوا سيرون؟ وفوق هذا وذاك. قال بيان الشيخ الديني صاحب اللحية التي تكنس بلدا بأكمله. قال: نحن معانا ثارات وخفنا أن يكون موكب الشباب من أصحاب الثارات ضدنا ويريدون بنا شراً. بالمعنى البسيط هنا. يعترف الشيخ أن له ثأرات. أنه عليه دم لرقاب قبائل أخرى والعكس. لكن ما ذنب أولئك الشباب الذي كان واحد منهما ذاهب في اليوم التالي إلى ألمانيا للدراسة بحسب منحة أخذها بسبب مجموعه العلمي الباهر الذي حصّله. كان سيذهب للدراسة وهاهو يذهب إلى الموت. سالت دماؤه في الشوارع وسيارات النجدة تنظر وتراقب عن بعد مثلما كاميرا خفيّة. هل صارت حياتنا، بعد الثورة، حياة كاميرا خفيّة؟ هل صرنا موتى مفترضين. موتى معلنين. يبدو أنه صار «يوميات الموت المعلن». ولا أحد يتدخل وحده الشيخ المثقف ياسر العواضي «مردوخ الصحافة اليمنية». بحسب تسمية الرئيس السابق علي عبدالله صالح له. وحده الشيخ المثقف ياسر من سوف يتدخل بفرض تحكيم يقوم بتقديم كم مليون وكم بندق وكم سيّارة وكم قرف. كي يتنازل أهالي الشهداء عن القضية. الأهالي رفضوها سنرى إلى أين سنمضي مع هؤلاء القتلة الجدد. صباح الخميس كان هناك مسيرة مع الشهداء.
 (2)

 من صباح اليوم سأحمل سلاحاً، أدافع به عن نفسي.